Presentasjon lastes. Vennligst vent

Presentasjon lastes. Vennligst vent

محاضرات في الإرشاد النفسي الديني

Liknende presentasjoner


Presentasjon om: "محاضرات في الإرشاد النفسي الديني"— Utskrift av presentasjonen:

1 محاضرات في الإرشاد النفسي الديني
قسم الإرشاد النفسي محاضرات في الإرشاد النفسي الديني إعداد المحاضر :أنور البرعاوي

2 تقديم وتعريف: التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والإنتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم. وهذه العملية بهذا الوصف الذي يجمع بين معظم التعريفات الواردة عن الإرشاد كمصطلح حديث عملية ليست جديدة، وليست سهلة . فجدتها لأننا نعتقد أن المنهج الرباني المتمثل بالإسلام – بصفته ديناً شاملاً – قد تضمن عملية الإرشاد والتوجيه بأصلها وفرعها، فالقرآن كتاب هداية وإرشاد، والسنة والسيرة تفصيل وتطبيق لذلك. وأما عدم سهولتها فلأن عملية الإرشاد المذكورة تحتاج إلى علم وقدرة ومهارة في آن واحد.

3 تعريف الإرشاد النفسي الديني
يعرف الإرشاد النفسي الروحي (الديني) بأنه مجموعة من الخدمات التخصصية التي يقدمها اختصاصيون في علم النفس الإرشادي لأشخاص يعانون من سوء توافق نفسي أو شخصي أو اجتماعي (Corey, 2005). و يهدف إلى مساعدتهم على تجنب الوقوع في مشكلات أو محن نفسية أو اجتماعية أو أسرية، وتقليل آثارها إذا وقعت، وتزويدهم بالمعارف الدينية والعلمية والمهارات الفنية لتحسين توافقهم النفسي مع هذه الظروف استرشاداً بالعبادات والقيم الدينية ، مثل : التقوى، والتوكل ، والصبر ، والإيمان ، والدعاء ، هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى استغلال فنيات وأساليب و نظريات الإرشاد النفسي بأنواعها كوسائل معينة لمساعدة المسترشد على تحقيق النمو الذاتي وتحمل المسئولية الاجتماعية وتحقيق أهدافه المشروعة من الناحية الدينية في نطاق قدراته وإمكاناته (السهل, 2001).

4 مفهوم الارشاد النفسى الدينى من منظور إسلامي: الإرشاد النفسي الديني عند (صبحي, 1988) هو أحد المساعدات الإرشادية التي تستخدم كأداة للتغلب على العقبات التي تقف في سبيل التوافق النفسي، و تحقيق الحاجات النفسية والفسيولوجية لدى الأفراد بصفة عامة، والشباب بصفة خاصة, وذلك عن طريق الإفادة من محتوى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كأحد المساهمات في تصحيح الأفكار والتصورات الخاطئة.

5 وقد أُشير أيضاً بأن الإرشاد والعلاج النفسي الديني هو أسلوب توجيه و استبصار يعتمد على معرفة الفرد لنفسه، ولربه، ولدينه، وللقيم والمبادئ الروحية و الخلقية، وهذه المعرفة غير الدنيوية المتعددة الجوانب والأركان تعتبر مشعلاً يوجه الفرد في دنياه، ويزيده استبصاراً بنفسه، وبأعماله، وطرائق توافقه في حاضره ومستقبله. وقد أشار هذا التعريف إلى عمليتي التوافق والاستبصار كهدفين مهمين للإرشاد والعلاج النفسي الديني (فهمي, 1987). و لقد عرّف (زهران, 1999) الإرشاد والعلاج النفس الديني بأنه أسلوب توجيه وإرشاد وتربية وتعليم، يقوم على معرفة الفرد لنفسه ولدينه ولربه والقيم الروحية والأخلاقية. وأنه عـلاج نفسي تدعيمي، يوفـر نوعاً من الإرشاد الدعوي.

6 وعرّف أيضاً (مرسي و محمد) الإرشاد والعلاج النفسي الديني الإسلامي بأنه عمليات تعلم وتعليم نفسي اجتماعي, تتم في مواجهة بين شخص متخصص في علم النفس الإرشادي (مرشد), وشخص أخر يقع عليه التوجيه والإرشاد (المسترشد)، و يستخدم فيه فنيات وتقنيات وأساليب فنية ومهنية، ويهدف إلى مساعدة المسترشد على حل مشكلاته ومواجهتها بأساليب توافقية مباشرة، وإعانته على فهم نفسه، ومعرفة قدراته وميوله وتشجيعه على الرضا بما قسم الله له، وتدريبه على اتخاذ قراراته بهدي من شرع الله حتى ينشأ عنده طلب الحلال بإرادته، وترك الحرام بإرادته, ويضع لنفسه أهدافاً واقعية مشروعة، ويفيد من قدرته بأقصى وسعها في عمل ما ينفعه وينفع الآخرين، ويجد تحقيق ذاته من فعل ما يرضي الله فينعم بالسعادة في الدنيا والآخرة.

7 و كذلك عرّف (إبراهيم, 1980) الإرشاد والعلاج النفسي الديني بأنه عملية توجيه وإرشاد وعلاج وتربية وتعليم تتضمن تصحيح وتغيير تعلم سابق خطأ، وهو إرشاد تدعيمي يقوم على استخدام القيم والمفاهيم الدينية والخلقية، ويتناول فيه المرشد مع المسترشد موضوع الاعتراف والتوبة والاستبصار، وتعلم مهارات وقيم جديدة تعمل على وقاية وعلاج الفرد من الاضطرابات السلوكية والنفسية. و حول هذا التعريف يرى (رجب, 2009) أن هذا التعريف يتضمن عدداً من النقاط المهمة، فقد أشار التعريف إلى تصحيح وتغيير التعلّم السابق الخاطئ واستبداله بالتعلّم الصحيح وهو مبدأ مهم من مبادئ النظرية السلوكية والعلاج المعرفي السلوكي، كما أشار التعريف إلى العلاج التدعيمي كأحد الاتجاهات العلاجية الحديثة، فضلاً عن إشارة التعريف إلى الاستبصار والوقاية كنقاط مهمة مميزة للإرشاد والعلاج النفسي الديني، فالإرشاد وقاية، والعلاج يهدف إلى الاستبصار. وبهذا المعنى يكون هذا التعريف قد أضاف وصفاً لعملية الإرشاد النفسي الديني من حيث : كيف تتم ؟ وأهميتها في وقاية الفرد من الاضطرابات السلوكية والنفسية.

8 وقد عرّف (خضر, 2000) الإرشاد النفسي الديني بأنه محاولة مساعدة الفرد لاستخدام المعطيات الدينية للوصول إلى حالة من التوافق تسمح له بالقدرة على ضبط انفعالاته إلى الحد الذي يساعده على النجاح في الحياة. و في تعريف آخر ترى (ياركندي, 2003) أن الإرشاد النفسي الديني هو استخدام مبادئ وأحكام الدين في توجيه سلوك الأفراد بحيث يتفق مع هذه المبادئ والأحكام. بينما عرّف (الأحمد, 1999) الإرشاد النفسي الديني بأنه مجموعة من الأساليب والمعارف والخدمات يقدمها أخصائيون في الإرشاد معتمدين على القرآن والسنة, بهدف تحقيق الصحة النفسية.

9 ويعرّف أيضاً (الحبيب, 2005) الإرشاد النفسي الديني بأنه طريقة من الطرق الإرشادية التي تستخدم فنيات الدين وقيمه ومفاهيمه في إصلاح عيوب النفس وإرجاعها إلى فطرتها السليمة التي فطرها الله عليها. و في تعريف آخر يرى (المهدي) أن الإرشاد النفسي الديني هو إرشاد روحي بمعناه الغيبي غير المحسوس بالإضافة إلى الاهتمام الملحوظ بالعلاج النفسي الذي أخضع للدراسة على صعيد العلم و التجربة أحياناً، وبذلك يجمع بين الأخذ بالأسباب واللجوء إلى خالقها.

10 كل هذه التعريفات عرضت للإرشاد والعلاج النفسي الديني كعملية لها أهدافها وفنياتها و مبادئها و مراحلها.
يقصد بالإرشـاد النفسي الديني الإرشاد النفسي الديني الإسلامي, حيث أعطى الدين الإسلامي تصوراً كاملاً عن النفس الإنسانيـة في صحتها ومرضـها، كما أنه الرسالة الخاتمة، التي جاءت لتناسب كل زمـان ومكان وللإنسانية عامـة. ويتضح من العرض السابق لمفهوم الإرشاد النفسي الديني من المنظور الإسلامي أنه ركز على أنه شكل من أشكال الإرشاد النفسي الحديث يستمد أساسياته وفنياته من الإسلام، وأنه ذو فعالية في تخفيف الاضطرابات النفسية، الأمر الذي يسهم في تحقيق الاتزان الروحي والاستقرار النفسي في نهاية المطاف (رجب, 2009). و العلاج النفسي الديني هو أحد أنواع العلاج النفسي المحددة المبادئ، و المفاهيم، و الأسس، و الخطوات، والفنيات التي تهتم بتوجيه المسترشد إلى الاهتمام بعلاج الاضطراب الذي يعانى منه وفق المفاهيم الدينية الصحيحة، و الأفكار السليمة التي تساعده على التوافق النفسي، و الاجتماعي، و الروحي.

11 والإرشاد النفسي بالتعريفات السابقة أيضا يشتمل على عناصر خمسة: 1 – أنه عملية:أي أنه ليس حديثاً عارضاً بل هو مفهوم يتصف بالاستمرارية وتحتاج هذه العملية إلى فترات من الزمن منتظمة حتى تتاح الفرصة للمرشد النفسي أن يلاحظ ما قد يطرأ من التغيرات في سلوك المسترشد. 2 – أنه عملية تعليمية:فهو ليس نصيحة أو حلاً جاهزاً، وإنما هو مساعدة المسترشد على تعلم كيفية عرض مشكلته، وكيفية التعرف على جوانب شخصيته، وكيف يحل المشكلة على ضوء ذلك. 3 – أنه مساعدة: وهذا من أهم عناصر الإرشاد النفسي بل إن بعض المتخصصين يصفون عملية الإرشاد بأنها: (المساعدة) أي أن عملية الإرشاد = المساعدة، واعتبروا هذا العنصر هو المفتاح الأساسي للعملية. 4 – أنه مبني على العلاقة الإنسانية: فالصلة الأخوية والمشاركة الوجدانية بين المرشد النفسي والمسترشدين يتوقف عليهما نجاح العملية الإرشادية. 5 – المرشد النفسي يكون مهنياً متدرباً: فالمرشد ينبغي أن يتصف بالخبرة والخلفية الشاملة في علم النفس والتربية، ويفضل من عمل في مهنة التدريس أو العلاج النفسي أو من تدرب على الإرشاد، وأثبت جدارته كل وفق مجال عمله.

12 من دراستك للتعريفات السابقة ... بين/ي أهم أوجه التشابه والاختلاف بينها.
اكتب بطريقتك تعريفا للإرشاد النفسي الديني . نشاط 1 نشاط

13 الفرق بين الإرشاد النفسي الديني والوعظ الديني
هناك فرق يبدو كبيراً بين الإرشاد النفسي الروحي (الديني) وبين الوعظ الديني. فالوعظ الديني فيه تعليم للشخص وتوجيه, غالباً ما يكون من جانب واحد، وهو كما نسمع في دور العبادة وفي البرامج الدينية في الإذاعة والتلفزيون مثلا. ويهدف الوعظ الديني إلى تحصيل و توجيه معلومات دينية منظمة فقط. أما بالنسبة للإرشاد النفسي الروحي (الديني) فهو يهتم بتكوين حالة نفسية متكاملة نجد فيها السلوك متماشياً ومتكاملا مع المعتقدات الدينية للمسترشد، مما يؤدي إلى توافق الشخصية والسعادة ويؤدي إلى الصحة النفسية, والمرشد النفسي يستطيع أن يقوم بالإرشاد النفسي الروحي، ولكنه لا يستطيع أن يقوم به وحدة ” Eugene, 1995 ” الفرق بين الإرشاد النفسي الديني والوعظ الديني

14 وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي
عندما نتكلم عن المنطلقات والمحتويات والوسائل فإننا نجد أن المنهج الإسلامي قد طرح رؤية مستقلة عن النفس البشرية، وحاجاتها وطريقة إشباع تلك الحاجات، وأسس هذا الطرح في النقاط الثلاث التالية، والتي يجب أن يعيها المرشد المسلم ويتعامل على أساس منها: 1- الحاجات. 2- ضوابط إشباع الحاجات وكيفياته. 3- كيفية بناء الشخصية وترقيها (تشكل الشخصية).

15 أولا: الحاجات: إن للإنسان حاجات جسمية ونفسية تجعله يحس بضرورة إشباعها، وسد مطالبها، وعندما يحول حائل بين الحاجة وبين الإشباع يقع الاضطراب النفسي أو الجسمي أو كلاهما، فالجوع يشير إلى الحاجة للطعام، والإرهاق يشير إلى الحاجة للنوم، والخوف إلى الحاجة إلى الأمان، والعثور بالوحدة إلى الحاجة للرفقة وهكذا، ومن يمنع شيئاً من هذه الحاجات يقع له الاضطراب فمنع النوم يؤدي إلى إنهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى انهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى الاغتراب والوحشة، وتلك تمثل اضطرابات جسمية أو نفسية، وفي منهج الإسلام بيان لحاجات الإنسان النفسية وأهميتها، ومن أهم الحاجات التي أشار إليها القرآن أو السنة بشكل عام ما يلي:

16 1- الحاجة إلى الأمن والطمأنينة.
قال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْيَصْنَعُونَ}. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح منكم معافي في جسده، آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا)). 2- والحاجة إلى الحب: أي حب الآخرين له حسب درجات علاقاتهم به... قال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَءُو الدَّارَ وَالإْيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}.

17 وكان المهاجرون أحوج ما يكونون إلى هذه المحبة، فقد تركوا بلادهم وأموالهم وأهلهم، وأقبلوا على ديار جديدة، وبيئة غريبة، وقد ضمن لهم المنهج الإسلامي هذه المحبة، حيث أمد الأنصار رضي الله عنهم إخوانهم المهاجرين بما يحتاجون إليه من محبة وقبول وتأييد ومؤازرة. وقال صلى الله عليه وسلم:((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)). 3- والحاجة إلى الحرية وإلى التقدير وإلى النجاح وإلى غير ذلك من الحاجات التي يقصد الإسلام إلى إشباعها. ونظرة الإسلام إلى الحاجات أوسع وأدق مما ذكره علماء النفس سواء من حيث المنطلق أو من حيث الحاجة ذاتها أو من حيث طريقة إشباعها، فالإسلام ينظر إلى تكوين الإنسان على أنه يشتمل على الجسد والروح معاً: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقُ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}.

18 {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}.
فالإنسان قبضة من طين الأرض تتمثل في حقيقة الجسد: العضلات والأعضاء والأحشاء والأكسجين والحديد والأيدروجين.. إلخ وهو نفخة من روح تتمثل في الجانب الروحي للإنسان: في الوعي والإدراك والعقل والإرادة والعاطفة وفي الخير والبر والإخاء.. إلخ وشواهد ثقلة الجسم كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا}. {إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ}. وشواهد سمو الروح كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك أيضاً: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ}. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.

19 وعلى هذا الأساس قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد
وعلى هذا الأساس قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد. فالحاجات إما أن تنطلق من الروح، أو من الجسد، أو منهما جميعاً ولا فصل بينهما فهو تكوين ممتزج مترابط، ولتميز هذا الأساس جدت حاجات لم ينتبه لها علماء النفس، واختلفت حاجات لاختلاف الأساس الذي بنيت عليه ونشير هنا إلى بعضها: 1- الحاجة إلى الهداية: التي تتمثل في التطلع والرغبة في التعرف الواعي على الخالق البارئ، والجدير بالذكر أن الشباب – بغير الإرشاد السليم – يتعرض للشك الفلسفي في قضايا الألوهية والوحي والبعث والنشور.. ولكنه حتى عندئذ يعاني قلقاً روحياً لا ذهنياً فحسب لأن الجانب الروحي في كيانه متفتح وفي حالة نشاط. وحين لا يجد الزاد الصحيح فإنه يضطرب ويختل، ويكون القلق هو العرض الدال على ذلك. وقد نص القرآن على هذا في السورة العظيمة سورة الفاتحة:{اِهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ}.إذ أن الحاجة إلى الهداية أمر مهم للإنسان ونعمة عظيمة من الرحمن. {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إِسْلاَمَكُم بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقينَ}[61].فالهداية إلى الإيمان نعمة كالطعام والشراب والهواء يمتن الله بها على من يشاء من عباده فتمتلئ بها جوانحه، ويطمئن قلبه، ويقابلها التيه والضياع الذي يشعر معه الفرد بالحاجة إلى من يهديه الطريق ويقوده إلى الجادة.

20 2– الحاجة إلى التوبة: حيث تتناسب مع طبيعة الإنسان المعرض للخطأ والإنحراف والقابل للندم والأسف والرجوع. {وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَ المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[62]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون الله فيستغفرون فيغفر لهم))[63]. 3 – الحاجة إلى الذكر من الغفلة والنسيان: قال تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِىَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}[64].{وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً}[65].{أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[66]. والأذكار الشرعية المطلقة والمقيدة لتلبية الحاجة إلى الذكر كثيرة ليس هذا مقام سردها وهي تدل على الحاجة الماسة للذكر وعلى كونه ضرورة الإنسان المطبوع على الغفلة والمستهدف من قبل الشيطان وجنده.

21 4 – الحاجة إلى الإنتماء: وهي من الحاجات المذكورة في علم النفس، لكن الإسلام أسسها بطريقة مختلفة. فالإنسان يحتاج إلى الجماعة أو الحزب وينفر من العزلة والوحدة. وقد أسس الإسلام هذه الحاجة على مبادئ مرنة وواسعة يمكن أن تسع الناس جميعاً. {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[67]. فلم يجعل الإنتماء على أساس الأرض أو اللون أو الجنس، وإنما جعله على أساس العقيدة والفكر، وعلى أساس الوحدة النفسية والقلبية المبنية على وحدة الشعور والولاء والتوجه. قال تعالى: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[68]. {وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}[69].

22 أما طريقة إشباع الحاجات وكيفياته فقد بينه المنهج الإسلامي، وشرع لكل جانب من جوانب حياة الإنسان هدياً، وبدخول الإنسان في الإسلام يصبح مخاطباً بهذا الهدي الذي ينظم له كيفيات السلوك، والتعامل مع الجهات المختلفة للحياة، والذي يشرع له من الأحكام والآداب والنظم ما يتلاءم مع طبعه وجبلته وطاقته النفسية، إذ الشريعة الإسلامية شريعة الفطرة والتيسير، نزلت من عند الله الخالق البارئ فهي ((نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرة العيون، وحياة القلوب ولذة الأرواح، فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة))[70]. ثانيا: إشباع الحاجات:

23 ولبيان الإطار العام أو المحاور التي تنظم مطالب الإنسان وكيفيات الإشباع، نشير إلى مقاصد الشريعة الإسلامية والترتيبات الهرمية للمطالب داخل هذه المقاصد. فالشريعة جاءت لخدمة مقاصد رئيسية هي: 1 - حفظ الدين. 2 - حفظ النفس. 3 - حفظ العقل. 4 - حفظ النسل. 5 - حفظ المال.

24 ومن البدهى أن هذه المقاصد الخمسة لا ينفصل بعضها عن بعض انفصالاً تاماً، بل هي متداخلة يخدم بعضها بعضاً، ويكمل بعضها الآخر، وبعض الحاجات تعدّ مشتركة بين أكثر من مقصد من مقاصد الشريعة. ويمكن أن نمثّل للحاجات وكيفية ضبطها – من خلال مفهوم مقاصد الشريعة والتدرج في تحقيقها – بالحاجة إلى الطعام، فالطعام به يحفظ الإنسان نفسه، ويقيم جسمه، وهذا الحفظ تارة يكون ضرورياً وهو ما يقيم أصل الحياة ويدفع الموت عن الإنسان، ولهذا أباح الله الأكل من الميتة لسدّ الرمق، وتارة يكون حاجيا وهو ما يمدّ الجسم بحاجاته المهمة وعناصره المتكاملة، وتارة يكون تحسينياً يشمل كماليات الطعام كبعض التوابل والمقبلات والمرطبات.. إلخ

25 وبالتدرج نفسه يقع الحكم الشرعي من الوجوب إلى الندب إلى الإباحة، فطلب الطعام والسعي له والتزويد به يكون تارة فرضاً لازماً وهو ما يقيم الحياة ويدفع الموت، وتارة يكون واجباً أو مستحباً وهو ما يتناوله الإنسان عادة من العناصر والمكونات الغذائية التي يحتاج إليها الجسم لكماله سوائه وتارة يكون مباحاً وهو في حق كماليات الطعام.

26 بعد الوضوح النظري لكيفية إشباع الحاجات تأتي الممارسة الفعلية والمواجهة العلمية حيث تبرز هذه المطالب والحاجات وهي أكثر ما تكون وأشد ما تكون إلحاحاً في فترة الفتوة والشباب، بسبب تميزها بالحيوية والجدة والقوة وفقد الحياة، فالحاجة إلى الطعام، والشراب، والنكاح، والنجاح، والتقدير، والذكر، والإستطلاع، والسكن النفسي، والهداية، والتوبة، والإنتماء وغير ذلك تكون واضحة مشتدة، في هذه المرحلة. وهنا تبرز أهمية مفاهيم المواجهة والممارسة للإشباع، حيث أن للمنهج النفسي الإسلامي مفاهيم معرفية نفسية ذات مصطلحات خاصة، تصف طبيعة العلاقة بين الحاجات المتعددة الملحة وأنواع وطرق إشباعها، ومن هذه المفاهيم: 1 - الابتلاء الوسطية (الاعتدال في الإشباع). 3 - المجاهدة الصبر. وفيما يلي إشارة إلى إثنين منها:

27 1 – مفهوم الابتلاء: حيث أن الحياة إنما خلقت للإبتلاء والإختبار والنظر، في عمل هذا الإنسان وسلوكه أحسن هو أم سيئ أمعروف أم منكر أسوي أم شاذ قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالحَيَاةِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}[76]. {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ}[77]. {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}[78]. وتتصف حياة الإنسان في هذا الوجود بالمعاناة والمشقة: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}[79]. {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاَقِيهِ}[80]. وإذاً فالمعاناة والشدة في طبيعة الحياة ووجود الخيارات وأنواع المطلوبات يجعل الإنسان في حالة اختبار وإمتحان في مسالكه، واختياراته وهذا هو مفهوم الإبتلاء الذي يحرص المنهج النفسي الإسلامي على وضوحه عند المسلم وتحسيسه به.

28 2 – مفهوم المجاهدة: مادامت الحاجات والمطالب موجودة متأصلة في الإنسان ولابد من إشباعها، ولابد من كيفية معينة للإشباع وفق المنهج الإسلامي – كما مر – وما دام هذا الإشباع بهذه الكيفية المحددة نوع من الإبتلاء لهذا الإنسان للنظر أيستقيم في إشباع هذه الحاجات أم ينحرف، إذاً فلابد من عملية المجاهدة والمقاومة في سبيل الفوز على عناصر الشر ودواعي الفتنة، وذلك بإشباع حاجات النفس إشباعاً متكيفاً مع الضوابط والهيئات الشرعية المبنية على أصولها المستقلة في المنهج الإسلامي. قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[81]. ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((حجبت النار بالشهوات وحجبت الجنة بالمكاره))[82]. وهكذا تستمر المجاهدة متمثلة في تعدد المطالب وتجددها، وفي قدرة الفرد وإرادته لضبط إشباعها حسب الكيفية المقصودة من الشارع، ومن خلال النصر والهزيمة في هذه المجاهدة والمقاومة يتم الترقي أو الهبوط في سلم الإيمان.

29 ثالثا: تشكل الشخصية: عملية الإرشاد تعني بمعرفة كيفية تشكل الشخصية، وكيفية تعديل هذا التشكيل، وهذه المعرفة تساعد على تحديد الخلل في شخصية المسترشد وعلى العمل لعلاجها وفق التصور النفسي الإسلامي لبناء الشخصية. ويرتبط موضوع إشباع الحاجات إرتباطاً وثيقاً بتكوين الشخصية إذ أن حاجات الإنسان النابعة من كيانه وطريقة إشباعها يؤثران في بناء شخصيته، وقد ذكرنا إغفال علماء النفس لجوانب من حاجات الإنسان عندما تطرقنا لموضوع الحاجات، ومن أسباب هذا الإغفال إعراض علماء النفس عن الشق الآخر من كيان الإنسان وهو الجانب الروحي. ويرى محمد عثمان نجاتي أن هذا الاغفال ((أدى إلى قصور واضح في فهمهم للشخصية الإنسانية وفي معرفتهم للعوامل المحددة للشخصية السوية وغير السوية، كما أدى هذا إلى عدم اهتدائهم إلى تكوين مفهوم واضح دقيق للصحة النفسية)).

30 أن إغفال الجانب الروحي خصوصاً، وإغفال النظر إلى طبيعة حياة الإنسان وغاياته عموماً، أدى إلى عدم الاهتداء إلى الطريقة الشاملة والمناسبة لبناء الشخصية، وإلى ربط ذلك بمفاهيم بنائية داخلية وخارجية متناسبة مع هذه الطبيعة. الشخصية تتشكل في المنهج الإسلامي من خلال ترقيها في درجات الإيمان – وفق المفهوم الشرعي للإيمان – ولربط ما سبق ذكره من إشباع الحاجات وكيفياته بتشكل الشخصية يمكن تصور ذلك في سلسلة من ثلاث حلقات . إن الشخصية تنبني في البيئة الإسلامية وفق مفهومي الدين والإيمان اللذين يقررهما القرآن والسنة والنبوية، وذلك بتدرجها في سلم الإيمان الذي يؤهلها لاكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها. أما المبادئ التي ينبني عليها هذا التصور فتتمثل في أربعة مبادئ لمفهوم الإيمان وآثاره وهي: 1 - أن العمل والسلوك مكون رئيسي للإيمان. 2 - أن الإيمان يزيد وينقص. 3 - أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان أن للمؤمنين صفات وسمات. وتمثل هذه المبادئ الأربعة تسلسلاً مرتباً أي أن الأول يؤدي إلى الثاني والثاني يؤدي إلى الثالث وهكذا.

31 المبدأ الأول: إن الأعمال والممارسات أو السلوك – في مصطلح علم النفس داخل في مسمى الإيمان إلى جانب الاعتقاد والشعور. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وستون شعبة – وفي رواية بضع وسبعون شعبة – أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان)). فالإيمان له شعب متعددة وكل شعبة منه تسمى إيماناً فالصلاة من الإيمان والزكاة والصوم والحج كذلك، والأعمال الباطنة كالتوكل والإنابة إلى الله من الإيمان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى عن الطريق.

32 وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)). وفي رواية ((ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)). وهذا يدل على قوة الإيمان وضعفه بحسب الأعمال كماً وكيفاً، وهو مبدأ مهم في مجال دراسة السلوك وتوجيهه وتنميته، ويترتب عليه تصور واسع وشامل لأنشطة الإنسان وجزئيات سلوكه، فصومه وصلاته وصدقه وبره وصلته وخلقه ومعاملته وزياراته وأعماله وتجارته وجميع أنواع سلوكه، الصغيرة والكبيرة، هي أجزاء في الإيمان سلباً أو إيجاباً سواء كانت أجزاء هذا السلوك فردية أم إجتماعية عبادية أو عادية فهي إنجاز وتحصيل للإيمان أو خسارة فيه حسب اتجاه السلوك، وموقعه من الكيفيات الشرعية المحددة للفرد المسلم.

33 قال بن عمر رضي الله عنه: (( لقد لبثنا برهة من دهر، وأحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن تنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها، وأمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها، كما يتعلم أحدكم السورة. ولقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان يقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يعرف حلاله ولا حرامه، ولا أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه وينثره نثر الدقل)). ويقول جندب بن عبدالله: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن غلمان حزاوره فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيماناً)). وبهذا الفهم للإيمان ندرك أنه محل للتحصيل والانجاز، إذ أن الأعمال والممارسات داخلة فيه، فالفرد في حالة تحصيل يومي للإيمان حسب أنواع سلوكه وهيئاته ومقداره.

34 المبدأ الثاني: أن الإيمان يزيد وينقص وفق مقدار السلوك واتجاهه، وهذا يترتب على المفهوم السابق الذي يجعل السلوك والأعمال جزءاً من الإيمان، فالإيمان المشتمل على السلوك يزيد وينمو بالطاعة وينقص وينحسر بالمعصية. قال تعالى:{إِنِّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً}. وقال تعالى:{وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}. وهذه الزيادة في الإيمان المذكورة في الآيات ليست مجرد التصديق بأن الله أنزلها بل زادتهم إيماناً بحسب مقتضى الآية وما يترتب عليها من أمر أو نهي أو تشريع.

35 ويتبين من هذا أن الإيمان موضوع تحصيلي يشبه المادة التي تعد أو توزن والتي يحدث لها الزيادة كما يحدث لها النقصان بحسب السلوك المكتسب، وأن للإيمان أثراً تراكمياً وفقاً للتحصيل العلمي والعملي الذي قد يصل إلى مستوى عالٍ من الكم والكيف حتى يكون الإيمان أمثال الجبال. قال مالك بن دينار: ((الإيمان يبدو في القلب ضعيفاً ضئيلاً كالبقلة فإن صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة وإماط عنه الدغل وما يضعفه ويوهنه، أوشك أن ينمو ويزداد، ويصير أمثال الجبال..)). وقيل لبعض السلف: ((يزداد الإيمان وينقص؟ ((قال: نعم يزداد حتى يصير أمثال الجبال. وينقص حتى يصير أمثال الهباء)). ونخلص من هذا إلى أن دخول الأعمال في الإيمان يؤدي به إلى الزيادة أو النقصان عبر البرنامج اليومي لسلوك الفرد، وأن هذا المبدأ ذو قيمة نفسية داخلية وذو قيمة سلوكية خارجية، لأن الأعمال غذاء يكوّن الإيمان والإيمان الداخلي المتعمق في النفس دافع لمزيد من السلوك والعمل.

36 المبدأ الثالث: أن الناس يتفاوتون في الإسلام والإيمان على مراتب، وهذا مبني على درجات إيمانهم المشتمل على السلوك. ولذلك فإن الناس طبقات ودرجات في مستوى الإيمان يبدأ من وجود أصل الإيمان والذي يعد في أدنى المستويات وينتهي إلى الطبقات العليا السابقة إلى الخيرات. قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالْخَيْرَاتِ}[96]. فالظالم لنفسه هو المسلم ظاهراً وباطناً[97]. ولابد أن يكون معه إيمان، ولكن لم يأت بالواجب، والمقتصد الذي أدى الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه وهو يقع في الدرجات العالية من الإيمان. ثم إن هذا الترتيب ينبني عليه إختلاف الدرجات في الجزاء الأخروي: قال تعالى:{فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِن كَاَن مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ}[98].

37 المبدأ الرابع: أن لشخصيات المؤمنين سمات وصفات تتفاوت حسب درجاتهم في الإسلام والإيمان وقد سبقت الإشارة إلى بعض أقسام المؤمنين التي وردت في القرآن تحت أنماط معينة كالشخصية الظالمة لنفسها والمقتصدة والسابقة بالخيرات. قال تعالى:{ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقُ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ}. فالنمط الظالم لنفسه هو المفرط في فعل بعض الواجبات المرتكب لبعض المحرمات، والنمط المقتصد هو الذي اقتصر على التزام الواجبات واجتناب المحرمات فلم يزد على ذلك ولم ينقص منه، وهؤلاء هم الأبرار وأصحاب اليمين.والنمط السابق بالخيرات هو الذي يتقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض، ويترك ما لا بأس به خوفاً مما به بأس، سمته دوام التقرب إلى الله والمزيد من الطاعات، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى قال: ((من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلى عبدي بشئ أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصره به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطيته، ولئن استعاذني لأعيذنّه، وما ترددت عن سئ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته))

38 ومن الواضح في تعريف هذه الأنماط أو الطبقات الناحية الإجرائية العملية، فهي ليست تعريفات نظرية أو عامة، وإنما تصف هيئة السلوك وفقه متطلبات الهدي الإسلامي، فالمقتصد مثلاً – هو الذي اقتصر على التزام الواجبات وإجتناب المحرمات، فالتعريف محدد وواضح، ورغم وجود هذه التعريفات لبعض الأنماط إلا أن هذا المبدأ هو أحوج المبادئ إلى الاستقصاء للوصول إلى أنواع أوصاف المؤمنين، وطبقاتهم من القرآن الكريم ومن السنة وشروحاتها ومن أقوال سلف الأمة وعلمائها، ليتسنى تحديد هذه الأنماط أو بعضها كي تكون أهدافاً عملية لبناء الشخصية المسلمة، وليتسنى اقتراح البرامج والسبل لتحقيق هذه الأهداف وفق التسلسل والكيفيات المذكورة في المصادر الإسلامية، ووفق ما يقترحه النفسيون أو التربويون فيما هو محل للاجتهاد.

39 وهكذا يتبين – مما سبق – أن المنهج النفسي الإسلامي ينطلق في نظرته للإرشاد والعلاج من نظرة شاملة ومتكاملة للإنسان، الذي هو محل الإرشاد فحاجات الإنسان النابعة من كيانه وطبيعته الحلقة الأولى في التعرف على الحالة أو المشكلة، وقد فصل المنهج الإسلامي هذه الحاجات سواء كانت متفقة مع طرح النفسيين أم مختلفة أو جديدة، وهيئة الإشباع وضوابطه هي الحلقة الثانية وهي ذات أثر فعال في بناء عادات الإنسان ومسالكه في سوائه وانحرافه – وقد وضع الإسلام منهجاً واضحاً ومحدداً لضوابط الإشباع وكيفياته، ولم يغفل المنهج الإسلامي تكوين الشخصية ومحدداتها، وكيفيات بنائها وأنماطها، لأنها الكيان المتكامل للفرد، والذي تظهر عليه هيئات السواء أو الإنحراف، وتكمن فيه أسباب الصحة والمرض، وتلك الحلقة المهيمنة والمكمّلة للعملية الإرشادية والعلاجية.

40 نشاط 2 يتميز المنهج الإسلامي و يختلف عن غيره
من المناهج في العملية الإرشادية . ناقش /ي صحة المضمون. تعد مسألة تشكيل الشخصية في المنهج الإسلامي من الأهداف الكبرى للإرشاد. ما أهم المبادئ التي يرتكز عليها المنهج الإسلامي لتحقيق ذلك؟ نشاط 2

41 أهداف الإرشاد النفسي الديني

42 أهداف الإرشاد النفسي الديني
تجتمع مقاصد الإرشاد في استثمار طاقات الشباب الذاتية والتهيئة لبناء أو تعديل فكرهم وسلوكهم. وتوجيه اهتماماتهم، ورفع مستوى الإستجابة الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه الأهداف بما يأتي: 1 - الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكلات التي يتعرضون لها. 2 - مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة، والوصول بنمو الشباب إلى أحسن مستوياته. 3 - إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل: التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء العلاقات الأسرية والإِجتماعية والطلابية، وبالإِرشاد النفسي والمساعدة على وضع الأهداف الدراسية والمهنية. 4 - اكتشاف واستخدام الوسائل الإِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي إلى الشوق والشغف بها. 5 - المساعدة على حل المشكلات النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط التربوي.

43 الأهداف العامة للإرشاد النفسي الديني
الهدف الأكبر للإرشاد هو إعادة الفرد لخالقه وتقوية العلاقة بينهما وجميع الأهداف هي لتحقيق هذا الهدف الأكبر والوصول إليه وهذه الأهداف العامة تكمن فيما يلي:

44 1 ـ حل الصراعات الداخلية للفرد:ـ
هناك صراع بين الخير والشر داخل الإنسان، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "يوجد في الإنسان لمة للخير ولمة للشر فأما لمة الخير فإيعاد بالخير وتصديق بالله وأما لمة الشر فإبعاد بالشر وتكذيب بالله" وبالتالي تصبح عملية حل الصراع عملية ذاتية ـ قد لا تحتاج إلى مرشد ـ وذلك بتغليب جانب الخير، والمسلم يدرك أن له عدواً يتداخل على نفسه هو الشيطان وأن عليه محاربته وذلك بطاعة الله ومجاهدة نفسه والسبق للخيرات "قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها” والمرشد المسلم عليه أن يساعد المسترشد على تقوية جانب الخير بالاستعانة بكتاب الله وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويبصره بمداخل الشيطان. إن حل هذه الصراعات يقوم على أساس الوعي والإدراك الكاملين، أنه يقوم على أساس استخدام المنهج الإيماني وتحكيم العقل في تحديد أسباب الانحراف وبذلك فإن حل الصراع في الإسلام يكون في المستوى الشعوري المسؤول الواعي بما حوله.

45 2 ـ التعامل مع الأفكار غير المنطقية:ـ
بدأ الإسلام دعوته بإعلام الناس أن هناك خللاً يشوب عقيدتهم والمتمثل في الشرك بالله وأرشدهم إلى الفكرة الصحيحة وهي توحيد الله والإيمان به "لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً" (الإسراء: 22 ). ثم انتقل بعد ذلك في تغيير أفكارهم الخاطئة حول بعض العادات والسلوكيات الضارة والمرشد المسلم يتبين بوضوح كيف هجم القرآن على الأفكار الخاطئة وغير المنطقية عند المشركين وأن هذا يعتبر خطاً أساسياً من خطوط المنهج الإسلامي وعلى سبيل المثال: في مجال الألوهية: "الله خير أما يشركون" (النحل: 59). في مجال الربوبية: "قل من رب السموات السبع ورب العرش العظيم ، سيقولون الله " (المؤمنون: 86). في مجال البعث: "وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحي العظام وهي رميم" في مجال العلم: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" (الملك: 14). في مجال الاتجاه نحو الإناث: "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم" (النحل: 58).

46 3ـ زيادة الوعي:ـ ينبه الإسلام أتباعه إلى ضرورة زيادة الوعي والاستبصار بما حولهم واستحضار قدراتهم واستخدام حواسهم بما يوصلهم إلى الحقائق، وأساليب زيادة الوعي في القرآن كثيرة منها: إعادة عرض الأحداث ليزداد الوعي بها بعد تحليلها يقول تعالى: "قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين" (النحل:).

47 4 ـ تقليل انشغال الفرد بالماضي والتركيز على الحاضر:ـ
إن لوم الإنسان لنفسه على ما فاته من فرص في الماضي تولد اضطراباً نفسياً في الوقت الذي لا تفيد كثيراً، كما أن انشغال الإنسان بمخاوف قد تحدث في المستقبل ينغص على الفرد حاضره ويجعله نهباً للانفعالات الضارة لذا نبه القرآن الكريم أن التحسر على ما فات في الماضي أمر غير مرغوب فيه فقال: "لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم والله خبير بما تعملون" (آل عمران). كما بين القرآن أن الانشغال بما لم يقع غير مرغوب فيه أيضاً فطلب توكيل الأمر لله فيما يستقبل فقال: "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون" (التوبة). والانصراف عن التفكير فيما فات في الماضي أو مصائب المستقبل يعني الانصراف عن التشاؤم والهموم والمخاوف والقلق، فالماضي مضى ولا يفيد فيه سوى الاستغفار والتوبة وأخذ العبر، وأما الحاضر فهو ما يستطيع أن يحققه الإنسان لذا عليه استغلاله أفضل استغلال والاستفادة منه لأبعد الحدود، وأما المستقبل فعلمه عند الله لذا لا ننشغل بما قد يحدث فيه من مصائب لكن نتجهز له بحسن الاستعداد وعمل الصالحات. ولا شك أن كثير من الأمراض والاضطرابات النفسية ترجع إلى انشغال الفرد بأمور لا يملك حيالها شيئاً من حيث منعها أو عدمه ولكنه يملك أسباب الوقاية منها، والانشغال حول الغد بما فيه من أحداث يشكل ضغطاً كبيراً جعل الكثيرين يهربون إلى اللاواقع من خلال تعاطيهم المخدرات بدلاً من انطلاقهم إلى الواقع متسلحين بالإيمان.

48 5 ـ الوصول إلى هوية النجاح:ـ
يطلب الإسلام من أتباعه معايشة الواقع ومواجهته وعدم الهروب منه "قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون" . ويطلب منهم تحمل مسؤولياتهم بكافة أنواعها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" ويحدد لهم هوية النجاح ويطلب منهم التحقق بها "اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم" . كما ينفرهم من هوية الفشل ويحذرهم منها "غير المغضوب عليهم ولا الضالين" . ويحدد لنا القرآن هوية النجاح في أكثر من موضع وما هي الصعاب الحميدة المطلوب التخلق بها ومنها: الإيمان ـ التقوى ـ البر ـ الإحسان ـ الإيثار ـ التعاون ـ التطهر ـ العفة ـ الصبر ـ الوفاء ـ الشجاعة إلخ. ويحدد هوية الفشل وصفات أصحابها ومنها: الشرك ـ الكفر ـ الكذب ـ النفاق ـ الزنا ـ السرقة ـ الظلم ـ العدوان.... يقول تعالى عن هوية النجاح:"قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون...” ويقول عن هوية الفشل:"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى"

49 6 ـ تنمية الشعور بالمسئولية:
يقرر الإسلام أن الإنسان محاسب على كل ما يقوم به من قول أو فعل قل أو كثر قال تعالى: "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" (الزلزلة: 7 ـ 8). لهذا فقد طلب القرآن من الإنسان أن يرشد نفسه ويزكيها "بل الإنسان على نفسه بصيرة" (القيامة: 14). والمسؤولية التي يحددها الإسلام تشمل كافة نواحي الحياة بل الإسلام توسع في تحمل المسئولية فطلب من المسلم تحمل مسؤولية هداية العباد قال تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" (النحل: 125). إن كثيراً من المشاكل النفسية سببها تهرب الفرد من تحمل مسؤولياته وعدم مواجهته للواقع، فمن أخطر الاضطرابات النفسية ما يسمى "اضطرابات الخُلُقْ" حيث يلجأ الفرد للجريمة والعدوان والزنا والسرقة وغيرها من الجرائم التي يقوم بها أناس تخلوا عن مسؤولياتهم. والمدقق في حقيقة الإسلام يجد أنه كله بناء للمسؤولية، فالصلاة مسؤولية على الفرد أن يقيمها في أوقات معينة بشروط معينة وأركان معينة، وفي التزام الشخص نحو أهل بيته مسؤولية، والالتزام نحو الفقراء والمحرومين مسؤولية الجميع القادر عليه أن يعطي وغير القادر عليه أن يحض القادرين " ولا يحض على طعام المسكين" (الماعون :3) بل ينفرد الإسلام بخاصية هامة وهي إمكانية أن يعاقب الفرد نفسه حين يتخلى عن مسؤولياته في صورة كفارات يكون هو الرقيب على نفسه في أدائها.

50 وهذه الأهداف عامة للإرشاد والتوجيه، ولابد عند القيام بالإِرشاد النفسي من تحديد الأهداف الخاصة للحالة المراد علاجها، وللعملية التوجيهية التي سيقوم بها المرشد على نطاق فردي أو جماعي أو داخل الوسط التعليمي، فإذا كانت الحالة مثلاً هي إخفاق طالب في دراسته أو تخلفه عن زملائه، فيجب وضع أهداف محددة للعملية الإرشادية التي سيقوم بها الموجه لعلاج هذه المشكلة بالنسبة لهذا الطالب. والإرشاد بهذه الأهداف يمثل جزءاً من مهمة الداعية في الإسلام. والإسلام منهج شامل للحياة ييسر للناس السعادة والسواء والصحة النفسية، ويرشد المرشدين إلى الطريق الأمثل لتحقيق الذات، ونمو الشخصية، وترقي النفس في مدارج الكمال الإنساني.

51 {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}[4]. {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}[5]. والقرآن يعالج ويرشد الإِنسان بطرق مختلفة، فتارة بطريق القدوة، وتارة بالإِستدلال العقلي وتارة بمخاطبة الوجدان بالموعظة والعبرة وتارة بغير ذلك.

52 فالطريقة الاقتدائية مثل قوله تعالى:
{فَبَعَثَ اللهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُريَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُوَن مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}[6]. والطريقة الاستدلالية مثل قوله تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[7]. والطريقة الوعظية مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ}[8]. وكأن من مقاصد القرآن استخدام الأساليب المتنوعة في الإِرشاد وتنبيه المرشدين لذلك مع أن الهدف واحد وهو معالجة النفس البشرية وتزكيتها في المواقف المختلفة.

53 نشاط 3 لو طلب منك ترتيب الأهداف السابقة حسب أهميتها.
السابقة حسب أهميتها. فكيف يمكنك ترتيبها ؟ مع بيان التبرير المنطقي و العلمي

54 أسس ومبادئ الإرشاد النفسي الديني

55 يقوم الإرشاد النفسي على أسس عامة تتمثل في عدد من المسلمات والمبادئ التي تتعلق بالسلوك البشري والعميل وعملية الإرشاد ، وعلى أسس فلسفية تتعلق بطبيعة الإنسان وأخلاقيات الإرشاد النفسي ، وعلى أسس نفسية وتربوية تتعلق بالفروق الفردية ومطالب النمو ، وعلى أسس اجتماعية تتعلق بحاجات الفرد والمجتمع ، وعلى أسس فسيولوجية تتعلق بالجهاز العصبي والحواس ، ويقوم الإرشاد النفسي الديني على أسس ومبادئ ومفاهيم دينية روحية وأخلاقية .

56 يسعى علم النفس الديني إلى التأصيل الديني للإرشاد والعلاج النفسي من خلال تأسيس الإرشاد النفسي على أسس ومنطلقات وممارسات دينية تجعل الإرشاد النفسي أكثر كفاءة عند الأفراد في وقايتهم من الاضطرابات النفسية ومساعدتهم على استعادة الصحة النفسية (كمال إبراهيم مرسي) . ويمثل الدين من الجانب الروحي والأخلاقي في الإنسان  حجر الزاوية في الإرشاد النفسي الديني ،فهو يخاطب الروح بما يحمله من سمو ورفعة ، وما يحث عليه من أخلاق حميدة، وتمسك بالقيم والمثل العليا ، والإرشاد يبرز تلك الجوانب والأبعاد ، وتلك العلاقات التي تربط الإنسان بجوانبه المختلفة .

57 إن الإرشاد النفسي الديني يقوم على أسس تعتمد على معطيات الأديان السماوية من الكتب المقدسة وسنة الأنبياء والمنقول عن أعلام الدين من القيم والمبادئ الدينية والخلقية ، وذلك تبعاً لدين كل مسترشد ، فالإرشاد النفسي الديني للمسترشد المسلم مثلاً يعتمد على مبادئ وأسس مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وإسهامات العلماء المسلمين أمثال الغزالي وابن القيم والكندي والرازي وغيرهم . ولذلك يشير الشرقاوي إلى أن الإرشاد النفسي الديني يستمد أسسه من قول الله تعالى : " قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً " (الفرقان ، 6 ) ، " وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ " (الأنعام ،80)، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً " (النساء ،170).

58 ويرى زهران أن الإرشاد النفسي الديني يقوم على أسس ومفاهيم ومبادئ وأساليب دينية يمكن صياغتها فيما يلي:
1- أن الله - سبحانه وتعالى - خلق الإنسان ، وهو يعلم من خلق ، قال تعالى : " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ ، وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ“ 2- أن الله - سبحانه وتعالى-  يعلم أسباب انحراف سلوك الإنسان وفساده واضطرابه. 3- أن الله - سبحانه وتعالى - هو الذي يعرف طرق الوقاية من تلك الانحرافات و الاضطرابات.

59 بينما يشير فرج إلى أنه يمكن تحديد أسس الإرشاد النفسي الديني الإسلامي في النقاط التالية:
1- الإفادة مما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من قيم ومفاهيم دينية وخلقية في الإرشاد النفسي الديني . 2 - الأخذ بما توصل إليه علم النفس الحديث في مجال الإرشاد النفسي الديني . 3- الإفادة من التراث الإسلامي ، وما تركه علماء المسلمين من آراء ونظريات نفسية في الإرشاد النفسي الديني . 4 -  قابلية السلوك للتعديل والتغيير ، حيث يؤكد الإسلام على أهمية العقل والتفكير وقابلية الإنسان للتعلم . 5- التدرج في تعديل السلوك من البسيط إلى الصعب، حيث يقر الإسلام بمبدأالتدرج في التخلص من العادات والسلوكيات السيئة وتعلم سلوكيات جديدة بدلاً منها.

60 ويشير مرسي ، و الرشيدي إلى أن الإرشاد النفسي الديني الإسلامي يستمد مسلماته ومبادئه من الشريعة الإسلامية ، والتي تستند على الأسـس التالية : 1- النصيحة عماد الدين وقوامه، فالدين النصيحة كما قال صلى الله عليه وسلم. 2- الإرشاد من أفضل الأعمال عند الله لأن فيه نفع الناس. 3 - الإرشاد خدمة يقصد بها وجه الله وطلب مرضاته. 4- يقوم الإرشاد على تنمية إرادة الفرد في طلب ما ينفعه وترك ما يضره 5- كل شخص حر في اتخاذ قراراته بنفسه واختيار ما يناسبه من الأنشطة التي أحلها الله له. 6- الالتزام في الإرشاد بالمحافظة على خصائص النظام والتمسك بالأخلاق الإسلامية.

61 في حين يرى عبد الحميد محمد شاذلي أن الإرشاد النفسي الديني يعتمد على أسس أهمها :
معرفة الخالق ، معرفة الذات ، والصدق مع الذات ، وقبول الذات، وقبول القضاء والقدر. فالإرشاد النفسي الديني يقوم على أساس اللجوء إلى الله عند الشدة ، وهذه طبيعة نفسية بشرية ، وأن في اتصال الإنسان بفاطره وموجده " خالقه " القوي العليم الخبير رابطة وثيقة ، تقود إلى الأمن النفسي ، فإذا أفضى بمخاوفه وقلقه إلى الله  ، ولجأ إليه هدأت نفسه وشعرت بالسكينة ، وبذلك يشفى من الجزع والفزع والخوف والحزن .

62 ولذلك أشار كل من حسن محمد شرقاوي، ومحمد حسين عمار إلى أن الإرشاد النفسي الديني الإسلامي يرتكز على ركيزة مهمة مؤداها اللجوء إلى الله عند الشدة ، كما أن المداومة على الذكر والصلاة في وقتها تجعل الإنسان دائماً مع خالقه ، ويتخلص بذلك من كل ما يساوره من اضطرابات ، وتغمره السكينة ويشعر بالرضا والطمأنينة في أحواله جميعها، فهو دائماً في معية الله ، ويتقي الفزع والجزع والهم ؛ لأنه يطلب من الله أن يزيل عنه الكرب والقلق ، لأنه لا يعلم المستقبل. وتظهر تلك الأسس في عملية الإرشاد النفسي الديني لخفض قلق المستقبل المهني Carrer Related Future Anxiety  لانعكاسها على شخصية الفرد خلال عملية الإرشاد النفسي الديني Religious Counseling Process  الذي يجعل العمل أو المهنة Work or Carrer  أحد مكونات الإيمان .

63 يشير عبد العزيز محمد النغيمشي (1991) إلى أن الشخصية تنبني في البيئة الإسلامية وفق مفهومي الدين والإيمان اللذين يقدرهما القرآن والسنة النبوية ، وذلك بتدرجهما في سلم الإيمان الذي يؤهلهما لاكتساب صفات وسمات معينة حسب الدرجة التي تقع فيها ، أما المبادئ التي ينبني عليها هذا التصور لتلك الشخصية يتمثل في أربعة مبادئ هي : 1 - أن العمل والسلوك مكون رئيس للإيمان. 2 - أن الإيمان يزيد وينقص. 3 - أن المؤمنين يتفاوتون في الإيمان. 4 - أن للمؤمنين صفات وسمات. وتمثل هذه المبادئ الأربعة تسلسلاً خطياً أي أن الأول يؤدي إلى الثاني ، والثاني يؤدي إلى الثالث ، وهكذا ،.

64 ويقوم الإرشاد النفسي الديني على مجموعة من المبادئ هي : 1- المناقشة الدينية القائمة على النظرة الموضوعية للأفكار واحترام حرية الفرد في التفكير. 2 -  يعد الإرشاد النفسي الديني إرشاداً بنائياً وموجهاً نحو المشكلات النفسية يقوم على نموذج تربوي ؛ حيث إنه في طريقته لإرشاد الأفراد ذوي المشكلات النفسية يولي اهتماماً أكثر لعملية التعلم بجانب عملية التفاعل ، فالجلسة تبدأ بمادة تعليمية دينية ونفسية يلقيها المرشد مع الحرص على إعطاء مفاهيم وتصورات صحيحة للمبادئ والقيم الإسلامية ، كما يتم التعليم أيضاً من خلال القدوة يقوم على التركيز على " الهنا والآن " على اعتبار أن القرآن والسنة موجودين في " الهنا والآن " فالمنظور الإسلامي يقول : " أنا وأنت مع الله“هنا والآن " تعتمد فنيات الإرشاد النفسي الديني على الفهم الصحيح للعبادات الدينية وممارستها ممارسة الرياضة الروحية  (محمد عبد التواب معوض ).

65 بينما تشير هناء يحي أبو شهبة إلى أن الأسس التي يقوم عليها الإرشاد النفسي في ضوء الإسلام ، تتمثل في : قابلية السلوك للتعديل ، والجوانب العقلية جزء مهم في تعديل السلوك، وتصرفات الإنسان تقوم على أساس من الوعي والشعور بها ، والمسئولية فردية وجماعية ، والإرشاد  والعلاج يكون بدافع من الشخص نفسه ، وإقرار مبدأ الفـروق الفردية ، الإرشاد والعلاج علم ثم عمل ، واختيارية القرار وحرية التصرف ،واختلاف طرائق الإرشاد والعلاج باختلاف الموقف وحالة الفرد .

66 أسس الإرشاد النفسي الديني الإسلامي: تشير (أبو شهبه, 2007) إلى أن الأسس التي يقوم عليها الإرشاد النفسي في ضوء الإسلام ، تتمثل في: 1- الإفادة مما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية من قيم ومفاهيم دينية وخلقية في الإرشاد النفسي الديني. 2 - الأخذ بما توصل إليه علم النفس في مجال الإرشاد النفسي الديني. 3- الإفادة من التراث الإسلامي، وما تركه علماء المسلمين من آراء ونظريات نفسية في الإرشاد النفسي الديني. 4- قابلية السلوك للتعديل والتغيير، حيث يؤكد الإسلام على أهمية العقل والتفكير وقابلية الإنسان للتعلم. 5- التدرج في تعديل السلوك من البسيط إلى الصعب، حيث يقر الإسلام بمبدأ التدرج في التخلص من العادات والسلوكيات السيئة وتعلم سلوكيات جديدة بدلاً منها.

67 فالإرشاد النفسي الديني يقوم على أساس اللجوء إلى الله عند الشدة، و هذه طبيعة نفسية بشرية، وأن في اتصال الإنسان بفاطره وموجده " خالقه " القوي العليم الخبير رابطة وثيقة، تقود إلى الأمن النفسي، فإذا أفضى بمخاوفه و قلقه إلى الله، ولجأ إليه هدأت نفسه وشعرت بالسكينة، و بذلك يشفى من الجزع و الفزع و الخوف و الحزن.

68 نستطيع من خلال عرض الأسس والمبادئ التي يستند عليها الإرشاد النفسي الديني ، أن نحدد أسس الإرشاد النفسي الديني الإسلامي لخفض قلـق المستقبل المهني ، فيما يلي : 1- الإرشاد النفسي الديني إرشاد بنائي موجه نحو حل المشكلات المهنية لخفض التوتر الناتج عن نقص فرص العمل بعد التخرج. 2 - قابلية السلوك للتعديل؛ لتأكيد الدين الإسلامي على أهمية العقل والتفكير ، وقابلية الإنسان للتعلم ، واكتساب العادات والمهارات المهنية. 3 - مراعاة الفروق الفردية ، فكل فرد حر في اتخاذ قراراته بنفسه ، واختيار ما يناسبه من الأنشطة التي أحلها الله له. 4-  فنيات الإرشاد النفسي الديني الإسلامي وعملية الإرشاد مصدرها الكتاب والسنة .

69 المطلوب : تعريف ما يلي : المبادئ:............ الأسس:.............
أعد قراءة ما سبق ثم صنفها إلى أسس و مبادئ في ضوء التعريفات . نشاط 4

70 أهمية الإرشاد النفسي الديني والحاجة إليه وتطبيقاته
أهمية الإرشاد النفسي الديني والحاجة إليه وتطبيقاته

71 في هذه المقاربة سنتناول أهمية الإرشاد الديني من عدة جوانب أهمها:
أولا:أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد نفسي. ثانيا: أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني. ثالثا : أهمية الدين في علاج الأمراض النفسية. رابعا : مبررات الرافضين للعلاج النفسي الديني. خامسا : أخطاء المسرفين في العلاج النفسي الروحي.

72 أولا:أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد نفسي
أهمية الإرشاد النفسي الديني ووظائفه: يمثل الدين أهمية كبيرة بما يمثله من جانب روحي وأخلاقي في الإنسان و يعتبر هو  حجر الزاوية في الإرشاد النفسي الديني، فهو يخاطب الروح بما يحمله من سمو ورفعة ، وما يحث عليه من أخلاق حميدة، وتمسك بالقيم والمثل العليا ، والإرشاد يبرز تلك الجوانب والأبعاد ، وتلك العلاقات التي تربط الإنسان بجوانبه المختلفة (Cashwell & Young, 2005).

73 يؤدي الدين جملة من الوظائف التي لا غنى عنها لكل من الفرد والجماعة ، وكونه عاملاً مهماً في حياة الإنسان النفسية ، وعنصراً أساسياً في نمو شخصيته ، وأعظم دعائم السلوك ، حيث يوفر قاعدة وجدانية تضمن الأمن والاطمئنان النفسي والاتزان الانفعالي ، وتفاؤل وحب للحياة ، وعدم النظرة إليها نظرة تشاؤمية ، وتأكيد الهوية ؛ لما يوفره الإحساس الديني من الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر ، ويخفف من وطأة الكوارث والأزمات التي تعترض طريق الفرد ، فيشعر الفرد بالاطمئنان وعدم الخوف أو التشاؤم من المستقبل ، من خلال إطار علاقة الإنسان بخالقه ، التي تعد موجهاً لسلوكه في شتى منـاحي الحياة ، وفي كل مرحلة عمرية من حياة الإنسان

74 وتتسم مرحلة المراهقة بنوع من اليقظة والنضج الديني ، والحاجة إلى تعقل الدين والشعائر الدينية ، وإن علم النفس وعلم الاجتماع قد أفردا فرعاً مستقلاً لتناول الظاهرة الدينية سميا : علم النفس الديني The Psychology of Religious وعلم الاجتماع الديني The Sociology of Religious على أساس أن الدين يعد تجسيماً لأعلى الطموحات الإنسانية بإعتباره حصن الأخلاق ، الذي يعد المصدر الأساسي لأمن الأفراد لتحقيق السلام الداخلي لهم

75 وأظهرت الكثير من البحوث والدراسات أن الدين يؤدي دوراً إيجابياً في الوقاية من أعراض الاضطرابات النفسية لدى المراهقين ؛ نظراً لارتباط ارتفاع مستوى التدين بالكثير من الجوانب الإيجابية لدى الأفراد ، فيؤدي إلى صحة نفسية أفضل وقدرة أكبر على مجابهة الأمراض والتغلب على آثارها السلبية وسرعة الشفاء من الأعراض النفسية والقدرة على تحمل الضغوط الناتجة عن أحداث الحياة القاسية . وعلى الجانب الآخر أشارت العديد من الدراسات إلى وجود علاقة ارتباطيه موجبة بين التوجهات الدينية وتقدير الذات ، ووجود علاقة ارتباطية سلبية مع كل من القلق والاكتئاب ، وأن الأفراد الأكثر تديناً أقل قلقاً واكتئاباً وأكثر تأكيداً لذواتهم.

76 وإن من أبرز الوظائف التي يؤديها الدين للفرد والجماعة تحقيق الاستقرار النفسي ، فحينما يصاب الأفراد بالتمزق النفسي والصراعات الداخلية يحقق لهم الدين توازناً نفسياً عن طريق ما يسوقه من علاج نفسي ، وتوجيه إلهي ، لقول الله تعالى : " أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ " ( الزخرف ، 32) ، ففي حمى الدين تخف وطأة الحياة ، وتهون أمور الدنيا ، وتصبح هذه المظاهر أمراً ثانوياً وبعيداً عن المألوف

77 ويؤدي الشعور الديني إلى الإحساس بالسعادة والرضا والقناعة والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، الذي يعين الفرد على مواجهة الضغوط ، ويمنح الثقة والقوة لمواجهة التحديات والأزمات التي تعترضه في مجرى حياته ، فيكون الملاذ وقت الشدة ، الذي يشعره بالأمان وعدم الخوف والتشاؤم ، لليقين بأن الله -  - يتدخل في الأحداث المهمة من أجل الأفضل دائماً ، الذي يتحقق للفرد من خلال : الدعاء ، والصلاة ، والشكر مما يوفر له أسمى صور الـدعم والطمأنينة.

78 ولذلك يذهب البعض إلى أنه مع هذا الدعم تتناقض مشاعر الخوف والقلق ، وخاصة قلق المستقبل، فيطمئن الفرد على مصيره المستقبلي ؛ الأمـر الذي يسهم في تحقيق السـواء النفسي ، لاعتباره بعداً أساسياً للشخصـية السوية . إن للدين وظائف وآثاراً نفسية واجتماعية على الفرد والمجتمع ، حيث يزود الفرد بنسق من القيم والمبادئ والمعايير والمحكات الاجتماعية التي توفر له التكيف مع من حوله ، ويزوده برؤية عالم آخر غير محسوس فيه الخلاص ، تشعره بالاستقرار النفسي ؛ لأنه بمثابة الإطار المرجعي المعياري الذي يلجأ إليه الفرد في سعيه لكل ما قد يواجهه من مختلف صور الصراع

79 وأجـملت الوظـائف النفسية والاجتماعية للدين فيما يلي :
1- توفير نظام من الضبط الاجتماعي من خلال المساهمة في تكوين ضمير الفرد والجماعة، حيث تقوم المبادئ الدينية ، وما يرتبط بها من قيم ومعتقدات مختلفة بتقوية الضبط الاجتماعي الداحلى ، وبهذا أسهمت في تكوين ضمير الإنسان وتقوية دواعي الخير لديه. 2- يساعد الدين على توفير الأمن الذي يعد مصدراً أساسياً للصحة النفسية ، واختفاء عوامل القلق النفسي لدى مختلف الأفراد في المجتمع ، حيث أن قيام الدين بمحاولة التنبؤ بأسرار ما بعد الحياة واتجاهه لتبشير المؤمنين خيراً ، وتوعد المسيئين شراً ، يعمل على حل الكثير من الاضطرابات النفسية ، وبالتالي تقوية عوامل الاستقرار في حياة الفرد . 3- القيام بوظيفة تثقيفية تعليمية من خلال القصص الديني عن حياة السابقين .

80 بينما يرى رشاد عبد العزيز موسى :
أهمية الإرشاد النفسي الديني في سيكولوجية الدين تكمن في علاج الاضطرابات النفسية باختلاف أنواعها ، الأمر الذي يدعم الاهتمام ببرامج الإرشاد النفسي الديني وفاعليتها في علاج الاضطرابات ، يعد بمثابة إضافة جديدة للتراث السيكولوجي .

81 ونجد في كلام الحق تبارك وتعالى أفضل توجيه وأصوب إرشاد ، وذلك لأنه عندما يخاطب النفس الإنسانية ، فإنما يخاطبها مخاطبة العليم بأسرارها الخبير بما يفسدها ويزكيها ، المطلع على مواطن القوة والضعف فيها ، مصداقاً لقول الله تعالى : " أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ( الملك) وفي سنة النبي -  - إيضاح للمنهج الإرشادي المتكامل في القرآن الكريم ، وتفصيل لما جاء مجملاً فيه ، كما أن ما تركه لنا سلفنا الصالح من تراث له قيمته ، لم يخرج عن نطاق المصدرين الأساسيين لديننا الحنيف ، الكتاب والسنة.

82 فالدين عنصر أساسي في حياة الإنسان حيث تشمل التربية الدينية السليمة ، كما يتضمن النمو الديني السوي، وتشمل الصحة النفسية السعادة في الدنيا والآخرة ، ولذلك فالتربية الدينية المبكرة تعد وسيلة وقائية لصحة الإنسان النفسية فهي تساعده على تكوين نظام ثابت من القيم والمعايير الأخلاقية حيث تصبح ركيزة أساسية تقوم عليها أساليب تكيف الإنسان ، وبقدر ما يفيد سلوكه وتفكيره من هذا النظام بقدر ما يكون أقدر على التكيف النفسي؛ لأنه الملاذ من المشكلات الانفعالية والصدمات النفسية بما يحمله من أفكار وقيم قد تكون علاجاً لكثير من المشكلات التي يقع فيها الفرد ، والتي قد تؤثر في نفسيته تأثيراً كبيراً ، فكثير من الناس يكون التخفيف للكثير من آلامهم النفسية يكمن في تذكرهم المفاهيم الدينية مما يجعلهم يجدون في ذلك راحة نفسية وطمأنينة روحية ، ويخفف الدين القلق النفسي وله صلة كبيرة بالنمو العام عند المراهقين.

83 وبجانب ذلك نجد اختلافات كثيرة بين المدارس المختلفة للعلاج والإرشاد النفسي في نظرتهما إلى طبيعة الدوافع المحركة للسلوك ، وإلى طبيعة التهديدات المثيرة للقلق ، والمثيرة لنشوء أعراض الأمراض النفسية ، تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق عام بين هذه المدارس المختلفة حول نظرية متكاملة في الشخصية وتوافقها ، فكل مدرسة من هذه المدارس تنظر إلى الإنسان من زاوية معينة ومحددة.

84 ولقد بدأت تظهر منذ بداية الستينات حتى الآن المقدمات التي قام بها علماء النفس التي تنادي بأهمية الإفادة من التعاليم والقيم الـدينية في الإرشاد النفسي والصحة النفسية ، وترى أن الإيمان الحقيقي بالله قوة هائلة تمد الإنسان المتدين بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة وتجنبه القلـق الناتج عـن الاهتمام بالحياة المادية.

85 تمثلت تلك الاتجاهات في كتابات : عبد الوهاب حموده (1962) القرآن وعلم النفس ، ومحمد ماهر عمر (1983) ملامح علم نفس إسلامي ، وحسن محمد الشرقاوي (1984) نحو علم نفس إسلامي ، وسيد عبد الحميد مرسي (1985) سلسة دراسات نفسية إسٍلامية " الشخصية السوية" ، ومحمد عثمان نجاتي (1987) القرآن وعلم النفس ، والحديث النبوي وعلم النفس (2000) ، ومحمد عبد الفتاح مهدي (1990) نحو علم نفس إسلامي " العلاج النفسي في ضوء الإسلام " ، وسيكولوجية الدين والتدين (2002) ، ورشاد على عبد العزيز موسى (1993) علم النفس الديني ، أساليب العلاج النفسي في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية (2001) ، الإرشاد النفسي في حياتنا اليومية في ضوء الوحي الإلهي والهدي النبوي (2001) ، العلاج الديني (2001) ، محمد يوسف خليل (1994) ، تلاوة القرآن الكريم وأثرها على اطمئنان النفس ، ومحمد عوده ، كمال مرسي (1994 ) الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإسلام ، وعبد العلى الجسماني (1996) علم النفس القرآني والتهذيب الوجداني ، ومصطفى محمود (1998) علم نفس قرآني جديد ، وعبد الرحمن محمد العيسوي (2001) سيكولوجية الإسلام والإنسان المعاصر ، ومحمد محروس الشناوي (2001) بحوث في التوجيه الإسلامي للإرشاد والعلاج النفسي ، ومحمد رمضان محمد (2006) ، الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في علم النفس والتحليل النفسي.

86 وأشارت العديد من الدراسات إلى أهمية استخدام المفاهيم الدينية في الإرشاد والعلاج النفسي وتحقيق الصحة النفسية ، ومنها : دراسة سيد صبحي 1980 ، وحامد عبد السلام زهران 1985 ، ومصطفى الشرقاوي 1985 ، وإسعاد عبد العظيم البنا 1990 ، وStark , 1990 ، وPark et al , 1990 ، وزينب محمود شقير 1991، وSung mook & Christelle 1993 ، و Azhar et al , 1994 ، وعبد الرقيب البحيري وأخرون 1994 ، و Azhar , etal , 1995 ، و محمد عبد التواب معوض 1996 ، ومحمود إبراهيم عبد العزيز فرج 1998 ، وعبد الباسط خضر 2000 ، و Berry , 2002 ، و محمد محروس الشناوي 2001، ومحمد عمار 2001، و Qulsoom Inayat 2001، وSalleh Mobd , et al , ، وناصر بن إبراهيم المحارب 2003، وإيمان حسني محمد العيوطي 2004 ، وهناء يحي أبو شهبه 2004 ، وهناء أبو شهبه 2006.

87 نشاط ما أهم الوظائف النفسية التي يؤديها الدين؟

88 ثانيا: أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني

89 يحتل التدين مكانة بارزة بين حاجات الأفراد ، بوصفه دافعاً فطرياً لدى الفرد للتوحيد وعبادة الله ، وطلب العون منه سبحانه ، وقد أعتبرهAllport حاجة نفسية موروثة ، فمعظم الناس عبر تاريخ البشرية يمارسون شكلاً ما من أشكال التدين ، يمثل لهم محدداً لهويتهم. وقد أقر الدين الإسلامي بفطرية التدين لدى الأفراد ، ففي القرآن الكريم ، نجد قول الله تعالى : " وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ " ( الأعراف ، 172) ، وقول الله تعالى : " فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " ( الروم ، 30 ) ، وفي السنة النبوية ، نجد قول النبي - - : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة " (رواه مسلم ، وأحمد ).

90 ولذا يشير محمد عودة ، وكمال مرسي إلى أن الحاجة للتدين استعداد فطري عند الإنسان ، وهي حاجة ملحة نامية ، يتعلم الفرد كيف يشبعها من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة ، وأن التدين الحقيقي الجوهري أفضل من التدين الظاهري في إشباع الحاجة إلى التدين ، وينادي علماء علم النفس والطب النفسي والصحة النفسية بضرورة تنمية الحاجة إلى الدين وإشباعها للوقاية من الاضطرابات النفسية .

91 وتعتمد الصحة النفسية أساساً على الالتزام بفطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها ، وهي عقيدة التوحيد ، وعبادة الله تعالى ، واتباع المنهج الذي وضعه للإنسان في الحياة ، والذي بينته لنا السنة النبوية ، وما دام قلب الإنسان على الفطرة السليمة المكملة بالشريعة المنزلة ، يكون الإنسان سوياً متمتعاً بالصحة النفسية ، ولكن إذا ما تأثر الإنسان بمؤثرات غير ملائمة من البيئة يكون من شأنها تحول القلب عن فطرته السليمة المستقيمة ، وأصيب الإنسان ، أي بالمرض النفسي ( محمد عثمان نجاني ، 2000 ، 309) .

92 لقد كان إشباع دافع التدين على مر العصور سبيلاً لتخفيف التوتر الذي لدى الفرد ، خاصة عندما تتهدد حياته أو تغلق أبواب الحلول لمشكلاته ، فيدعوا ربه ، وتتجه فطرته إلى مالكها بأي سبيل من السبل ، لقول المولى -  - : " قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَـذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ " ( الأنعام ، 63).

93 ويشير فيصل محمد خير الزراد إلى أن معظم علماء النفس المحدثين يرون أن الإرشاد النفسي الديني يعمل على إصلاح السلوك لما له من تأثير قوي في النفس وفي السلوك، فالقرآن الكريم حافل بالآيات الكريمة التي تعتبر منهجاً للهداية والشفاء والاستقامة بالسلوك ، لقول الله تعالى : " نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى " (الكهف ، 13) ، " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً " (الإسراء ،82) ، " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ " ( يونس، 57 )،"وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين"(الشعراء،).

94 وتشير إيمان حسني محمد العيوطي إلى أن أهمية الإرشاد النفسي الديني كإرشاد ديني تظهر في أنه يتناول معطيات دينية ذات أساس سماوي وليس وصفي ، تمس الجوانب الروحية والأخلاقية في الإنسان مما يجعل له طبيعة خاصة ، أدت إلى ظهور اهتمام واضح به في كثير من الدول ، وخاصة العربية ، بحيث ألزمت خريجي معاهدها وكلياتها الدينية بالاهتمام بمراكز الخدمة الاجتماعية والعلاج النفسي .

95 وتبرز الحاجة إلى الإرشاد النفسي الديني لكون المجتمعات تشهد حالة من تزايد الوعي بالهوية الثقافية ، من خلال البحث عن معالم قومية لعلم النفس بصفة عامة ، والإرشاد النفسي بصفة خاصة ، استناداً لما أشارت إليه العديد من الدراسات والأبحاث إلى عدم ملاءمة أساليب الإرشاد الأخرى للمجتمعات الإسلامية .

96 ولذلك فإن نقل الإرشاد كما هو معروف من المجتمعات الغربية إلى المجتمعات الإسلامية، ليس مناسباً ، لأنه ليس النموذج الأمثل للتطبيق في هذه المجتمعات ، لاعتبارات كثيرة من أهمها ما يلي :

97 أ- يعد نقل الإرشاد من مجتمع إلى مجتمعات أخرى تختلف عنها في عقيدتها ومناهج الحياة فيها من الأخطاء المنهجية ما ينبغي إعادة النظر فيها ، لأن الإرشاد لا يمارس في معزل عن قيم وعادات وفلسفة الحياة والمجتمع الذي يطبق فيه. ب- بالرغم من نمو الإرشاد في المجتمع الغربي في العقدين الماضيين ، إلا أن الاضطرابات النفسية أخذت في التزايد ، مما يدل على عدم قدرته على تحقيق أهدافه في تلك المجتمعات (كمال إبراهيم مرسي ، وبشير الرشيدي ، 1988 ، ) . ج- وجود فروق جوهرية بين الثقافة الغربية التي نشأ فيها النموذج الإرشادي والثقافة العربية الإسلامية التي ينتقل إليها ، وتتلخص هذه الفروق في : فلسفة الحياة ونظامها ، طبيعة الإنسان وأهدافه وغاياته في الحياة ، والأخذ بالأسباب والتوكل على الله (كمال إبراهيم مرسي، 1999، 105).

98 د- اختلاف قيم المجتمع العربي الإسلامي عن قيم المجتمع الغربي في العقيدة ، ومنهج الحياة الذي ترتب على اختلاف ثقافتهما ، الأمر الذي يؤدي بطبيعة الحال إلى اختلاف طبيعة الإرشاد والحاجة إليه وأهدافه في مجتمعنا العربي عن المجتمع الغربي. هـ- الإرشاد والعلاج النفسي الفعال هو الذي يرتبط بثقافة المجتمعات ويتفق مع معتقداتها وقيمها، ويساند نظرة الإنسان فيها إلى الحياة ، وعلى المرشد أو المعالج النفسي أن يكون واعياً بخصوصيات ثقافة المسترشد حتى يرشده ويعالجه في إطارها. و- إن الكثير من علماء النفس في البيئة الإسلامية أدركوا أهمية التأصيل الإسلامي للإرشاد النفسي فأخذوا ينقبون في القرآن الكريم والسنة الشريفة واجتهادات علماء المسلمين ، مما يسهم في بناء علم نفس إرشادي مرتبط بالثقافة الإسلامية .

99 ما رأيك في المضمون السابق ؟؟؟!
نشاط المرشد الديني يرفض رفضا قاطعا التراث النفسي المعاصر ، مركزا على المحتوى الديني في عملية الإرشاد ... ما رأيك في المضمون السابق ؟؟؟!

100 في علاج الأمراض النفسية
ثالثا: أهمية الإرشاد الديني في علاج الأمراض النفسية

101 أهمية الدين في علاج الأمراض النفسية
لقد تبين من خلال تتبع آراء كثير من علماء النفس المرموقين حول قيمة العلاج الديني مالم يدع شكا في ان هذا الفرع جدير بالدراسة والاهتمام لكونه يزال مجهولا عندنا لما تكتنفه من غيبيات ميتابسيكلوجية لم تتمكن عقول بعض المثقفين من استيعابها . فراحو ينكرونه ويتمادون في ذلك الإنكار إلى حد أخرجهم من دائرة التعقل والإنصاف على أنه يمكن لهذا التطرف الفكري أن يعالج بالبحث والحوار وتوسيع الأفق المعرفي . ويجب الإشارة إلى أن الفوائد التربوية والطبية الموجودة بالدين دفعت بعلماء النفس على اختلاف أديانهم أن ينشئوا فرعا خاصا في علم النفس أطلقو عليه اسم علم النفس الديني , أوجدوا من خلاله نوعا متميزا من العلاج هو العلاج الديني أو العلاج الروحي أو العلاج الإيماني . ومن العلماء المفكرين الذين تنبهوا إلى هذا الأمر نذكر:

102 1- وليم جيمس يرى في كتابه (إرادة الاعتقاد ) أن الفكرة الدينية تقدم لنفوسنا الطمأنينة والسعادة والسلام , ولذا يجب أن نعدها صحيحة تبعا لمعيار المنفعة.... وكان يؤكد دوما على أن أعظم علاج للقلق هو الإيمان وأن المرء الذي قوي إيمانه بالله, خليق بألا يتعكر طمأنينته التقلبات السطحية المؤقتة ,لأنه عصي على القلق محتفظ أبدا بأتزانه. 2- ألكسيس كاريل : إن الصلاة حسب رأيه ليست مجرد ترديد آلي طقوسي , ولكنها سمو لا يدركه العقل . وقد لاحظ كاريل أن هناك تغيرات تشريحية ووظيفية في الأنسجة والأعضاء تحدث خلال العبادة مما نتج عنه شفاء لبعض الأمراض البارثولوجية وهذا مادفعه إلى التأكيد على أهمية النشاط الروحي الذي لم يهتم به كثير من العلماء .

103 3. هنري لينك : بعد تجارب دامت خمسة عشر عاما في التحليل النفسي أدرك هذا العالم قيمة الحياة الدينية في علاج الأمراض النفسية حيث يقول في كتابه العودة إلى الإيمان :"لقد أدركت أهية العقيدة الدينية بالنسبة لحياة الإنسان , ووجدت من نفسي استعداد لمضاهاة تجاربي السابقة على مرضاي بالنتائج الباهرة التي أتت بها الاختبارات العظيمة التي توليت الأشراف عليها وقد استخلصت على دار للعبادة يتمتع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له أو لا يزاول عبادة ما (25). 4. كارول يونغ : كان من المحللين النفسانيين بأستثمار الدين في علاج الأمراض النفسية, وله كتاب قيم في ذلك الشأن عنوانه (الرجل العصري يبحث عن روح) ذك فيه مايلي: استشاريني في خلال الأعوام الثلاثين الماضية أشخاص من مختلف شعوب العالم المتحضر , وعالجت مئات من المرضى, فلم أجد مشكلة واحدة من مشكلات أولئك الذين بلغو منتصف العمر , أي الخامسة والثلاثين أو نحوها , لا ترجع في أساسها الافتقار إلى الإيمان وخورجهم عن تعاليم الدين (...) ولم يبرأ واحد من هؤلاء المرضى إلا عندما استعاد إيمانه, واستعان بأوامر الدين ونواهيه على مواجهة الحياة .

104 وبعد هذا العرض الوجيز لبعض اراء النفس الغربيين حول قيمة العلاج الديني في شفاء الأمراض النفسية , يجد بنا أن نطرح السؤال الآتي : مالدافع الذي يكمن وراء رفض هذا العلاج عند بعض الدراسين والمثقفين؟

105 مبررات الرافضيين للعلاج للعلاج النفسي الديني
مبررات الرافضيين للعلاج للعلاج النفسي الديني تحت تأثير النزعة المادية نجد طائفة من علماء النفس على اختلاف مدارسهم ينكرون أي أثر لروحيات في ميدان علم النفس عامة فهذا العلم في رأيهم قد تحرر إلى الأبد من الغيبيات يوم أن انفصل عن الفلسفة ودخل ميدان التجريب سنة 1879 م بفضل المعمل السيكولوجي الذي أنشئه العالم الألماني فينت في مدينة ليفزج الألمانية. ولذلك فأن أي حديث عن تأثير الغيبيات في احداث المرض النفسي , أو الشفاء منه يعتبر ردة غير مغفورة , تخرج صاحبها من عداد العلماء وتلحقه بصفوف الدجالين فالدين في نظرهم ينبغي ان يبتعد عن علم النفس وعن الحقول المعرفية الأخرى . ومن خلال هذا الموقف يمكن استنتاج الخصائص العامة لنظريات النفسية الغربية المضادة لدين كما يحددها الدكتور محمد حمزة السليماني

106 * إنها نظريات تدور في إطار مادي صرف وقائمة على فلسفة إلحادية
* افتقارها إلى النظرة الشمولية للأنسان والكون والحياة. * افتقارها إلى الجوانب الروحبة والأخلاق الإيمانية . ولأن الذين ينكرون دور العلاج الديني من بني جلدتنا إنما يفعلون ذلك اقتداء ببعض العلماء الغربيين جاهلين بذلك الأمكانيات العلاجية التي تتضمنها القدرات الروحية في شفاء الأمراض النفسية ، فأن ماتم عرضه من آراء صادرة من قبل علماء غربيين متخصصين حول مكانة الدين في الحياة النفسية في الإنسان من شأنه أن يخفف من حدة ذلك الرفض, ويضعنا وجه لوجه أمام حقيقة لا يمكن التهرب منها وهي أن نتائج الباربسيكولوجيا والميتابسيكولوجيا , أصبحت قضايا تحاذي العلم ولا تناقضه أن التناقض يكمن في عقولأولئك الذين حصرو أنفسهم في العالم المادي مع العلم ان هذا الأخير لا يمثل سوى الخبرة الظاهر من الكون وليس الكون كله.

107 لكن من باب الإنصاف والموضوعية, نكد على فكرة هامة وهي أن الذين يرفضون العلاج الديني من الذين ينتمون إلى الثقافة الإسلامية لا يرفضون الدين , كشعائر تعبدية – إذ الكثير منهم يمارس فعلا تلك الشعائر بصدق وأقتناع – وأنما يرفضون كطريقة علاجية , وهم في ذلك مدفعون بعدة أسباب يمكن عرضها كالتالي: * تأثرهم الشديد بالنظريات الغربية التي تبين لنا أن أكثرها قائمة على أسس مادية صرفة. *جهلهم بالنتائج الباهرة التي أسفرت عنها الدراسات والبحوث التي قام بها علماء النفس المسلمين المعاصرين في ميدان العلاج الديني. *ظهور انحرافات أخلاقية وطبية وشرعية خطيرة بسبب مايقوم به بعض الشعوذين والداجلين والمتطفلين حينما يستخدمون الدين لعلاج الأمراض النفسية, وقصدهم في ذلك ابتزاز أموال الناس والعبث بأعراضهم .

108 وإذا اتفقنا مع هؤلاء على مشروعية السبب الرابع فأن الأسباب الثلاثة الأولى غير مشروعة. وردا على ذلك يمكن القول : إن النظريات الغربية في علم النفس إنما نشأت في سياق ثقافي وأيدلوجي يختلف تمام الاختلاف عن السياق الحضاري الإسلامي وإنه لمن الخطأ العظيم أن نتأثر بتلك النظريات ونستجلبها دون وعي بتلك الفوارق . ثم إن عدم الاطلاع على التجارب الاسلامية الرائدة في هذا الميدان لا يجد مايبرره سوى قلة الاهتمام , وضيق الأفق المعرفي . وأخيرا فأن التجارب والدراسات , حول العلاج الديني , أصبحت من المسلمات , خصوصا بعد إنشاء فرع علم النفس الديني , الذي تميز عن غيره من الفروع. بقواعده , وأسسه واصطلاحاته, ونظرياته. وإذا اتضح لنا مما تقدم , أن التطرف في رفض العلاج الديني ,خطأ لا مبرر له , أفلا يحق لنا أن نعرض بعض المحاولات الناجحة في هذا الميدان؟

109 أخطاء المسرفين في الدعوة إلى العلاج الروحي :
إذ يبدو لبعض المتدينين في مجتمعنا أن الأمراض النفسية لا تعدو أن تكون حالات من المس أو السحر,أو العين وبالتالي فأن علاجها حسب تصورهم . يكمن في الرقية التي لا تحتاج إلا لقراءة إيات من القرآن الكريم أو أدعية مأثورة يتلوها الراقي لكي يزول المرض نهائيا . إذا كان قد تبين لنا مما سبق ذكره أن العلاج الروحي أصبح وسيلة لا غنى عنها لعلاج الاكتئاب أو غيره من الأمراض النفسية , فلا يعني ذلك أننا ندعو إليه مطلقا دون ضوابط أو شروط , إذ نلاحظ في الآونة الأخيرة تفشي ظاهرة الرقية - كأحدى وسائل العلاج الروحي الكثيرة - مما يدعو إلى التفكير في الحد من سوء استعمالها حتى توضع في إطارها العلمي والشرعي الذي يليق بها.

110 ولا شك أن تأثير القوى الشيطانية على الإنسان قضية مسلم بها -حسب رأينا – إلا أنه ينبغي التنبيه إلى أن الاعتقاد المطلق بأن كل مرض نفسي يعود إلى السحر أو المس أو العين هو شطط لا يقبله الدين نفسه... وحتى نتفادى هذه الفوضى العلاجية يمكن أن نعرض شروط الرقية الشرعية كالآتي: لا يجوز لمن يمارس هذا النوع من العلاج أن يقبل عليه إلا بعد إذن وتزكية , يقدمان له من طرف هيئة علمية معتمدة أوعالم متخصص. لا يسمح بأن تكون الوسائل المستعملة في العلاج الديني خارجة عن الإطار الشرعي , وإلا فتح المجال للدجل والشعوذة . يحبذ أن يلتقي الممارسون لهذا النوع من العلاج دروسا تكوينية في علم النفس,حتى يتمكنو من تشخيص الأمراض النفسية , والتمييز بين ماهو ذو طبيعة روحية , وما هو ذو طبيعة عصبية أو نفسية.

111 ويكفي أن نعرف أن أسلافنا من الأطباء وعلماء النفس رغم تدينهم وقربهم من صدر الإسلام , كانت بحوثهم في الأمراض النفسية مفعمة بالروح العلمية العقلانية التجريبية . وسنعرض بعض تلك البحوث حول مرض الاكتئاب عند ابن سينا كنموذج بارز في هذا المجال . فلقد عرف هذا المرض وأطلق عليه مصطلح الميلانخوليا , كما تنبه إلى أسبابه المتمثلة في اختلال التوازن البيوكيميائي , والإفراز الغددي , فذكر أن وجود المرة السوداء في الدماغ , والمرة السوداء هي من الأخلاط الأربعة ( المرة السوداء, الصفراء, الدم, البلغم من المسببات الرئيسية لإحداثه . كما أنه استطاع بعبقريته أن يكتشف أصنافا عديدة من الميلانخوليا هي :

112 الميلانخوليا السوداوية المحضة: تعادل مايسمى بالكآبة أو الاكتئاب في اللغة الطبية المعاصرة.
الميلانخوليا السوداوية الدموية: تبرز عند صاحبها في شكل فرح , وضحك مفرط, وتعادل مايسمى عندنا اليوم بالهوس الانهياري. الميلانخوليا السوداوية الصفراوية : وهي أدنى من الجنون , وتعادل الفصام المزاجي . الميلانخوليا السوداوية البلغمية: تسبب لصاحبها قلة الحركة والكسل والسكون , وهي تعادل الانهيار العصبي.

113 وقد قدم ابن سينا منهجية علاجية دوائية ونفسية تتمثل فيما يلي :
يجب أن يبادر بعلاج المرض قبل أن يستحكم, فأنه سهل في الابتداء صعب عند الاستحكام. يجب أن يفرح صاحبه ويطرب ويجلس في المواضع المعتدلة, ويرطب هواء مسكنه. ولا أضر له من الفراغ والخلوة. يتغير العلاج باختلاف أنواع الميلانخوليا. النوم أفضل علاجات الميلانخوليا.

114 وقد كان ابن سينا ينصح بالنظام الغذائي والأدوية العشبية
وقد كان ابن سينا ينصح بالنظام الغذائي والأدوية العشبية . كما ركز في علاج الميلانخوليا خاصة على النارينج, وهو مايسمى اليوم الفاليريانا , الذي أثبتت العيادة الحديثة فاعليته. هذا ولا يفوتنا ونحن نتحدث عن الاكتئاب في تراثنا الطبي الإسلامي أن نذكر جهود الطبيب إسحاق بن عمران توفي(908), الذي كتب مقالة في الميلانخوليا جاء فيها أن الميلانخوليا مرض بدني يؤثر في الصحة الجسدية للمريض، وقد وصف أعراض الكآبة فتكلم عن مشاعر الحزن والوحدة والوهم والخوف بالإضافة إلى الأفكار الرهيبة التي تنتاب الريض كأن يتوهم المريض أنه بلا رأس وأنه يسمع أصواتا لا حقيقة لها, وأنه يخشى سقوط السماء على رأسه فيتجنب السير تحتها كما أن هذا الطبيب ذكر الأمراض الأعراض المصاحبة للميلانخوليا كالكآبة , والأرق , والصداع , ولمعان العينين, والعزوف عن الطعام .

115 وقد تكلم الطبيبان علي بن زين الطبري , وأحمد بن أبي الاشعت , عن هذا المرض تشخيصا وعلاجا مما دفع بالمستشرق جيمس كولمان إلى القول : أنه لم يكن هناك غير العرب يستطيع تطوير بعض الأفكار العلمية عن الأمراض العقلية , فقد نشأت أول مصحة عقلية في بغداد سنة 792م . إن هذا العرض التاريخي لما كان عليه الطب النفسي عند المسلمين في سالف من الايام من شأنه أن يحد من المغالاة في التفسيرات الغبية والروحية التي يبادر إليها بعض المثقفين وغير المثقفين عندنا , حينما تواجههم حالات المرض النفسي , فقد اتضح لنا جليا أن أسلافنا من الأطباء والعلماء كانو أكثر اعتدالا , وعقلانية منا بالرغم من أنهم عاشوا في عصر بعيد عن التطورات العلمية التي نشهدها اليوم , مما يدفعنا إلى التاكيد على أن تراثنا يتضمن كثيرا من عناصر التصحيح والتجديد التي نطمح إليها سواء في ميدان علم النفس أو في الميادين المعرفية الأخرى.

116 نشاط هل رفض علماء النفس المعاصرون الاستفادة من الدين
في العلاج النفسي ؟ وضح مع التمثيل. وما دور العرب في تطوير العلاج النفسي؟؟؟ نشاط

117 عملية الإرشاد ومراحلها

118

119 تقديم : للعملية الإرشادية مراحل تمر بها وتحتاج من المرشد الوعي التام بالحالة من كافة جوانبها . ونقدم هنا مرحلة الشباب كنموذج تطبيقي لهذه المراحل و أولها أهم الإجراءات المتخذة قبل البدء بفعاليات العمل الإرشادي وتشمل : تحديد الأهداف الخاصة بالحالة ، و معرفة المسترشد، و تحديد فترة الشباب،والاطلاع على تاريخ الشباب،و إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم، والاستعداد المعرفي للاسترشاد، و مطالب النمو في مرحلة الشباب . وفي المرحلة الثانية التهيئة للإرشاد وفيها يركز المرشد على ثلاثة أمور قبل أن يدخل فعليا في العملية وهي: صفات المرشد، ومصادر التلقي عند المسترشد، والاستعداد النفسي للاسترشاد. ومما سبق يتضح لنا أن عملية الإرشاد تمر بمرحلتين تحضيريتين قبل البدء الفعلي بالمعالجات ؛ مما يجعلنا نؤكد أن التحضير للجيد سيؤدي إلى نتائج جيدة ونجاح عملية الإرشاد.

120 أولا: الواجبات قبل الإرشاد:
تجتمع مقاصد الإرشاد في استثمار طاقات المسترشد الذاتية والتهيئة لبناء أو تعديل فكرهم وسلوكهم. وتوجيه اهتماماتهم، ورفع مستوى الإستجابة الداخلية للتهذيب النفسي والخلقي ويمكن أن تفصل بعض هذه الأهداف بما يأتي: 1 - الكشف عن الحاجات الحقيقية لدى الشباب والمشكلات التي يتعرضون لها. 2 - مساعدة الشباب على فهم أنفسهم في مراحل النمو المختلفة، والوصول بنمو الشباب إلى أحسن مستوياته. 3 - إمداد الشباب بمجموعة من الخدمات مثل: التعريف بالوسط التعليمي وبكيفيات بناء العلاقات الأسرية والاجتماعية والطلابية، وبالإِرشاد النفسي والمساعدة على وضع الأهداف الدراسية والمهنية. 4 - اكتشاف واستخدام الوسائل الإِرشادية المختلفة التي تدعم العملية التعليمية وتؤدي إلى الشوق والشغف بها. 5 - المساعدة على حل المشكلات النفسية والتعليمية التي يواجهها الشاب في الوسط التربوي.

121 - معرفة المسترشد: ثم لابد من معرفة الشاب الذي هو موضوع الإرشاد، وهذه المعرفة تأخذ اتجاهين: 1- معرفة حال الشاب عامة في هذه المرحلة ((مرحلة الشباب)). 2 – معرفة حال الشاب الخاص الذي سيتم إرشاده، صفاته وتاريخه وظروفه، وتاريخ الحالة.. إلخ. والأمر الأول يتم الاستعداد له من قبل المرشد منذ أن كوّن شقافته حول الإِرشاد فهو لابد أن يكون قد أطلع على الثقافة المتخصصة في هذا الميدان في فروع علم النفس والتربية والإِجتماع من جانب، والسيرة والتاريخ والثقافة الإِسلامية وما يلزم من معلومات شرعية من جانب آخر. وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات شرعية من جانب آخر. وأما الأمر الثاني فلابد من إلمام المرشد الداعية بالأساليب والطرق والكيفيات التي توصله إلى معلومات كافية وصحيحة عن الحالة، وإلى تفسير هذه المعلومات وتحليلها من أجل إعطاء إرشاد مناسب للحالة. ويتناول هذا البحث الجوانب التي ينبغي الإِشارة إليها حول الثقافة الإسلامية والتخصصية في مجال معرفة الشباب.

122 – تحديد فترة الشباب: ليس هناك قول حاسم وواحد في تحديد سن البلوغ أو سن الشباب عند علماء الإسلام، فبعض الفقهاء يقرر أن الحد الأدنى للبلوغ يقع في بداية العاشرة والأعلى بالثامنة عشرة، كما هو قول أبي حنيفة (رحمه الله)، ويتفق الجمهور وفيهم أحمد والشافعي على أن سن خمسة عشر يعد هو حد البلوغ على ما في حديث ابن عمر عندما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ثم لما عرض يوم الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة أجازة، وقد جعل هذا عمر بن عبدالعزيز حداً بين الصغار والكبار. ويستدل أيضاً على البلوغ بالتغيرات الخارجية مثل نبات شعر العانة، ويترتب عليه تحمل المسئولية، كما ورد في استعراض بني قريظة لمعرفة صبيانهم من رجالهم. ((عن عطيه القرظي، قال: كنت في سبى بني قريظة فكانوا ينظرون، فمن أنبت الشعر قتل، ومن لم ينبت لم يقتل، فكنت فيمن لم ينبت.

123 أما سن الأشد فقد ورد في قول الله تعالى:
{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نَعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ}[11]. وحدد ابن عباس بداية الأشد بثمان عشرة، وفسر الأشد ببلوغ مرحلة النكاح قال تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ}. والمتخصصون المحدثون في علم النفس ليس لديهم تحديد قاطع لفترة المراهقة والشباب، فهناك وجهات نظر مختلفة ذلك أن التغيرات التي تحدث فيهما تتم في مدة تتراوح ما بين تسع سنوات وخمس عشرة سنة ويختلف الأطفال فيما بينهم في السن التي يبدأون فيها بالدخول في مرحلة المراهقة، ويرى – مثلاً – الدكتور سعد جلال أن فترة المراهقة والشباب تقع بين سن العاشرة إلى سن الثلاثين، ويقسمها إلى ثلاث فترات، فترة ما قبل الحلم، وفترة الفتوّة وهي تقابل في نظره المراهقة، وتمتد إلى سن الواحدة والعشرين، وفترة الرشد إلى سن الثلاثين. ويشير سعد جلال إلى أن سن الشباب يبدأ من البلوغ إلى سن الثلاثين.

124 ويرى عمر الشيباني أن بداية مرحلة الشباب ونهايتها يمتد من سن الثانية عشرة إلى سن الخامسة والعشرين بالنسبة للغالبية من أبناء المدن، الذين ساروا سيراً طبيعياً في نموهم وتعليمهم وهو يرى أنهما بهذا التحديد تتقابل مع مراحل التعليم في البلاد العربية المتوسطة والثانوية والجامعية، أي أن طلاب كل هذه المدارس يعتبرون من الشباب ومعنيون ببرامج الشباب. وقد أخذ مؤتمر وزراء الشباب العرب عام 1969م بوجهة النظر القائلة بأن فترة الشباب تقع بين سن الخامسة عشرة والخامسة والعشرين. ومن هذه الآراء المتعددة يمكن الخلوص إلى أن هناك فترة يتفق عليها المختصون، تلك الفترة هي الواقعة ما بين (15 إلى 25)، وهذه الفترة مشتملة في سن الشباب أو الأشد عند علماء الإسلام، حيث تكون بداية بلوغ القوة البدنية والإِدراكية والمعرفية، وهؤلاء هم الذين خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)).

125 - الاطلاع على تاريخ الشبان:
أول ما ينبغي على مرشد الشباب – بهذا التحديد المذكور آنفاً – الإِطلاع على التاريخ الشبابي من خلال قصص القرآن وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وشباب الإِسلام ليكوّن رصيداً للنموذج السوي المتزن من الشباب وليكوّن نبراساً عملياً لوقاية الشباب وإرشادهم. وما لم يكن المرشد مطلعاً على أحوال فتوة الأنبياء وفتوة الرسول صلى الله عليه وسلم وفتوة الأجيال الأولى من شباب المسلمين عندما كان المسلمون في أوج مجدهم وقوتهم وفي أعلى المستويات من الإِستقامة وممارسة دور الهداية والإِرشاد للمجتمعات، ما لم يكن كذلك فهذا أول نقص في ثقافة المرشد عن الشباب وأحوالهم، ونحن نعلم أن العصبة المؤمنة التي تركزت في دار الأرقم في مكة – وعلى يديها تحقق نصر الإِسلام – كان أكثرهم شباباً، فعمر رضي الله عنه كان عمر سبعاً وعشرين، وعثمان كان عمره قرابة الثلاثين، وعلي رضي الله عنه كان أصغر من أسلم من الصبيان وهكذا كان عبدالله بن مسعود، وعبدالرحمن بن عوف، والأرقم بن أبي الأرقم وسعيد بن زيد، ومصعب بن عمير، وبلال بن رباح، وعمّار بن يسار، وعشرات غيرهم.. بل مئات.. كلهم كانوا شباباً.

126 والإِطلاع على هؤلاء الشباب وكيف تعاملوا مع أنفسهم، وكيف أدوا أدوارهم وأشبعوا حاجاتهم ومطالبهم العضوية والنفسية والإِجتماعية، وكيف تم إرشادهم بالمنهج الرباني عموماً وعلى يدي النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً. وكذلك إرشاد بعضهم لبعض، الإِطلاع على هذا يعد خلفية ضرورية توجيه إرشاد أبناء المسلمين. والنماذج العلمية في هذا كثيرة لا تحصى نشير إلى بعضها. أبو بكر: (دورة في الدعوة والإِرشاد، موقفه في الإِسراء والمعراج، مواقفه في الهجرة، أمثلة صدقه وتصديقه). علي بن أبي طالب: (دوره في الهجرة، قصته في إسلام أبي ذر، دوره القيادي، مشاركته في المعارك والمسئووليات). مصعب بن عمير: (موقفه من الجاهلية أول إسلامه، دوره في التعليم والإِرشاد، مشاركته في المعارك، استشهاده).

127 – إدراك طبيعة الشباب واستعداداتهم:
ويجب أن يلم المرشد بطبيعة هذه المرحلة (المراهقة والشباب)، ومن ذلك علمه بهشاشة البناء الفكري ورقة العاطفة والوجدان، والاستعداد للإِستقامة أو الإِنحراف، وأن سهولة إنحراف الشباب وصعوبة سيطرتهم على غرائزهم أمر متوقع، ومن ثم هناك حاجة ماسة للإِرشاد إلى المجاهدة والصبر اللذين يؤديان إلى الشعور بالنجاح والإِنتظار على الضعف والشهوات والمغريات. وقد ورد في الأثر ((عجب ربكم من شاب ليست له صبوة)) كما دلت النصوص على عظم شأن المجاهدة التي يمارسها الشاب مع نفسه، ومن ذلك حديث ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله..)) ... ويذكر منهم ((شاب نشأ في عبادة ربه)) لما يتميز به الشاب من غرائز عنيفة وحاجات ملحة تطلب الإِشباع السريع، وقد ضرب الله المثل بقصة يوسف الشاب وانتصاراته المذهلة على الرغبات النفسية والبيئية والنوازع البشرية الأرضية، قال تعالى: {قَالَتْ فَذَالِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا ءَامُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ، قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ}.

128 – الاستعداد المعرفي للاسترشاد:
ثم لابد من العلم بالاستعداد المعرفي للاسترشاد عند الشباب ومعرفة موقف الشباب من الكبار والنظرة التي من خلالها يحكم الشاب على من هم أكبر منهم، ووجود أو إنعدام الجسور بين الطرفين، وهذه المعلومة ضرورية للمرشد الذي يريد أن يصل إلى عقول الشباب، ويخاطب وجدانهم، في هدايتهم وحل مشكلاتهم، وفي هذا المجال يدّعى الشباب وخصوصاً في المراهقة أن الراشدين لم يعودوا يفهمونهم ويدركون ظروفهم، ومشكلاتهم، ويؤيد ذلك بحوث عديدة منها بحث أجرى في تركيا وزع فيه استخبار على 3000 من المراهقين وكان من بين الأسئلة: (هل تظن أن الكبار يفهمونك على حقيقتك؟) فكانت النتيجة أن معظم المراهقين الذين تزيد أعمارهم على 14 سنة أجابوا بالنفي.

129 ولعل إنصراف المراهقين والشباب إلى الفئات من العمر نفسه، وقرب بعضهم من بعض يدل على وجود الشعور بالتفاهم بينهم، حيث يرى المراهق أن صديقه فقط هو القادر على فهمه، ومن ثم فإنه يكون هو مصدر الاستشارة والتأييد والتوجيه. على أن هذه النزعة إلى الأعراض عن الراشدين، وعدم استشارتهم تخف ويبدأ الشاب بعد المراهقة أو في نهايتها يعود أدراجه ليستأنس برأي الكبار، ويطلب التفاهم معهم، والنصيحة منهم، وقد أشارت بعض الدراسات إلى ذلك فقد دلت دراسة على عينة من (1560) طالباً وطالبة من المدارس الثانوية بمدينة الرياض على أن الطلاب في عمر (16، 17، 18) ((وهو وسط المراهقة)) أقل توجهاً إلى الأساتذة، بينما الشباب في عمر (20، 21، 22 وما فوق) يكثر توجههم إلى الكبار للاسترشاد والاستشارة. وفي دراسة لكيورتز Curtis   على عينة حجمها (9056) مراهق استنتج منها أن الإِعجاب والإِقبال على آراء الكبار يضعف في سني المراهقة الأولى، كما أن الإِعجاب بآراء الأصدقاء أو الزملاء يكون محدوداً في نهاية المراهقة بخلاف الحال في السنوات الأولى للمراهقة.

130 ويرى عدد من الباحثين ضرورة حساب هذه الاتجاهات عند التعامل مع الشباب، ومحاولة بناء صداقة وأخوة يتم من خلالها ممارسة الإرشاد والنصيحة، وأن يحاول المرشد إزالة الحواجز والعقبات التي يرى المراهقون والشباب وجودها بينهم وبين الكبار، وذلك بفهمهم وتقدير حاجاتهم ومطالب نموهم مع المحافظة على صفة الاستاذية في الفكر والسلوك، والتي تهئ للاقتداء والقناعة بطلب المشورة من قبل الشباب.

131 – مطالب النمو في مرحلة الشباب:
معرفة مطالب النمو لدى الشباب وحاجاتهم النفسية كالحاجة إلى الأمن والرفقة والتقدير والنجاح والمكانة الاجتماعية وغير ذلك مما هو مفصل في كتب علم النفس والتربية، وقد أشار المتخصصون في هذا المجال إلى قوائم بالحاجات المهمة للشباب منها ما ينطبق على الشباب عموماً ومنها ما لا ينطبق إلا على بيئات معينة، ولا ينطبق على البيئة الإِسلامية. وللشباب في المنهج الإسلامي حاجات أخرى تضاف إلى قوائم الحاجات، كالحاجة إلى الهداية، وإلى السكن النفسي المتمثل بالزواج المبكر، والحاجة إلى التوبة من ثقل الخطايا والذنوب. قال تعالى: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا}[29]. وقال تعالى: {وَمِنْ ءَايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا}[30]. {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ السَّيِّئَاتِ}[31].

132 ثانيا :التهيئة للإِرشاد ((القابلية))
والقابلية تعني استعداد المرء للاستشارة والاسترشاد وذلك بزوال العوائق التي يمكن أن تقف حائلاً بين الإِنسان وبين الإِستفادة، والإِقتناع بالنصيحة وبوجوب الأسباب والدواعي التي تدفعه وتحثه على سماعها وتطبيقها وهذه الهيئات للإِرشاد، والمتمثلة في وجود الدواعي وإرتفاع العوائق تدور في ثلاثة محاور: 1 - في صفات المرشد. 2 - في مصادر التلقي عند المسترشد. 3 - في الاستعداد النفسي للإِسترشاد.

133 في صفات المرشد: فأما صفات المرشد فلابد أن يتوفر فيه ما يأتي: 1 – الصدق والإِخلاص: حيث تمثل صفة الإِخلاص حجر الأساس الذي يتكئ عليه الممارس للأعمال الإِرشادية والدعوية، وفقد هذه الصفة يمثل أول عائق في طريق الإرشاد. {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا}. 2 – القدوة فالشباب الذي يرى المرشد يؤجل ويهمل لا يمكن أن يتعلم منه النظام والجدية، والمراهق الذي يرد المرشد يدخن ويكذب ويسرق من عمله ولا يصلي لا يمكن أن يتعلم ترك التدخين والصدق والأمانة والمحافظة على الصلاة، والشاب الذي يرى المرشد مضطرب النفس سئ الخلق، لا يمكن أن يسترشد به في صحة النفس وحسن الخلق. ذلك أن فاقد الشئ لا يعطيه، وسلوك المرشد في هذه الحال يمثل عائقاً دون الاسترشاد بتوجيهاته مهما كانت المحاولة وإمكانات التخصص. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونْ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ}. {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}.

134 وقد أدرك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاعلية هذه الخصلة حين كان يجمع أهل بيته فيقول لهم: ((إني قد نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم، كما ينظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا، وإني والله لا أوتى برجل وقع فيما نهيت الناس عنه إلا أضعفت له العذاب، لمكانه مني، فمن شاء منكم فليتقدم ومن شاء فليتأخر وهكذا فإن قوة الفعل تواكب قوة القول من حيث التأثير، لاسيما في مواطن الإِرشاد والعلاج والتربية، وقد كان عمر – بهذا السبب – فأمر الناس وينهاهم فلا يتأخر أحد عن السمع والطاعة والاستجابة. ومن المعلوم لدى المربين والمرشدين أن التعلم بالملاحظة (أي الاقتداء) أحد النماذج المهمة والمؤثرة والتي تفرض نفسها في الواقع، وقد أثبت جدواها في التغيير، وقد بينت دراسات عديدة، أن التلاميذ يتأثرون بسلوك معلميهم وتصرفاتهم، أكثر من تأثرهم بأقوالهم ونصائحهم فالمعلم المستجيب والمتعاون والايثاري والودود.. إلخ يزود طلابه بأنماط سلوكية هامة تسعى التربية إلى تكوينها جاهدة عن الأجيال. إن التربية والإِرشاد بالقدوة الصالحة هي العماد في تقويم الاعوجاج، وهي الباب إلى ترقية الشباب نحو الفضائل والمكرمات النبيلة والأساليب الصحيحة الحميدة.

135 3 – العلم: فالمرشد ينبغي أن يكون عالماً بأصول الإِرشاد والتوجيه سواء ما كان من المصادر الشرعية، أو من المراجع المتخصصة الحديثة. وكون المرشد يعرف بقلة العلم، وضحالة الإِطلاع، وإنعدام متابعة المعلومات يؤدي بالشباب إلى الإِعراض عنه، والزهادة بما عنده، فلا يقصدونه لتوجيههم وحل مشكلاتهم وحال هذا المرشد كحال من قال فيه الشاعر. أما ذوو الجهل فارغب عن مجالسهم        قد ضل من كانت العميان تهديه والعلم يمهد لقبول المرشد والأخذ برأيه والعناية بنصحه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}[37]. 4 – توفر القدرات والوسائل: وهذا جانب مكمل للعلم، فإن العلم وحده لا يكفي لإِحداث التغيير بل لابد من القدرات ووسائل التغيير، سواء كانت هذه القدرات قدرات شخصية ونفسية أو قدرات مادية وإدارية. ولذلك فإن عملية الإِرشاد قد تعاق أو تتعثر لا لفقد العلم أو الإِخلاص أو القدوة في المرشد، وإنما لفقد القدرة والإِمكانية.

136 في مصادر التلقي عند المسترشد:
وأما مصادر التلقي عند المسترشد وهو المحور الثاني للتهيئة فمن المعلوم أن هناك عوائق كثيرة تحول دون وصول الإِرشاد إلى مستحقه تتمثل في جهات التحكم، ومصادر التوجيه للشاب، فهو ينتمي إلى أسرة وإلى صحبة، وهو يتلقى من وسائل الإِعلام، ومؤسسات المجتمع المختلفة. كل هذه مصادر للتلقي إما أن تهئ للإِرشاد وإما أن تعوقه، ونوضح هذا الجانب بمثالين: 1 – المثال الأول: من الأسرة كمؤثر مهم في سلوك الشاب وفكره، حيث أن الأسرة تعتبر المحضن الأول الذي يتفاعل معه الفرد منذ البداية الأولى لحياته، وهي إما أن تكون مساعدة للفرد على إشباع حاجاته الجسمية والنفسية الأساسية، وعلى تحقيق نموه المتكامل إذا كانت العلاقة به تقوم على أسس سليمة، أو تكون معرقلة لإِشباع حاجات الفرد، ومثبطة لهمته ومطامحه وغير مبالية بدوره ومستقبله، ومن ثم تحول بين الإِرشاد وبين الشباب بصورة مباشرة أو غير مباشرة. المباشرة تكون بعدم الإِهتمام بإرشاد الشباب وتوجيهه وإشغاله عن ذلك أو الحيلولة بينه وبين جهات الإِرشاد والتوجيه، بدلاً من توثيقها وحث الشباب على السماع منها واستثمارها. وغير المباشرة تكون بالرصيد التراكمي من سوء المعاملة للشباب أثناء طفولته ومراهقته وتقييد حريته ومعاملته كطفل صغير، والتسلط عليه بطريقة لا تسمح بتنمية روح المبادأة والمشورة ومناقشة الآراء.

137 وهذا ينعكس على استعدادات الشاب للإِسترشاد والإِستعانة بآراء الآخرين ومناقشتهم للوصول إلى أفضل الطرق لسلامة النمو، وحل المشكلات التعليمية والنفسية. إن إيجاد الذهنية القابلة للنصيحة المبنية على الاقتناع الفكري بضرورة المداولة والمحاورة في مشكلات الشاب وقضاياه أمر لابد منه، إذا كانت الأسرة قد أفسدت الذهنية وأفقدتها القابلية. 2 – والمثال الثاني: هو الأعلام كمصدر مهم من مصادر التلقي، والتي يتم عبرها تلقي عشرات الأنواع من ثقافة الوسيلة وثقافة الغاية ومن منابع مختلفة، ومصدر التلقي هذا مصدر جماهيري يمارس دور التوجيه والإِرشاد بطريقته الخاصة، والباحث في تأثير وسائل الأعلام الجماهيرية على الشباب توجيهاً وإرشاداً، عليه أن يمعن النظر في التأثير بعيد المدى الذي يمكن لهذه الوسائل أن تحدثه في عقليات الشباب ونفسياتهم، وسلوكهم الإجتماعي، وأن يأخذ في حسبانه البعد التراكمي للوسائل الإعلامية التي يتلقاها الشباب في مختلف مراحل حياتهم وخصوصاً في مرحلة الصبوة والمراهقة والفتوة.

138 ((إن رسالة واحدة تهدف إلى تغيير موقف ما أو تحوير سلوك إجتماعي معين، قد لا يكون لها أثر مباشر وسريع على نفسيات الشباب... ولكن تراكم عدد كبير من الرسائل الإعلامية بطرق مشوقة وجذابة وعبر مدى زمني ممتد وهي تركز على موقف معين أو تبشر بسلوك محدد قد يكسب ذلك الموقف أو السلوك شرعية إجتماعية ويكسر الحواجز النفسية بين الجمهور وبين ذلك الموقف أو السلوك المعتاد عليه ويتقبله واقعاً معترفاً به)).

139 في الاستعداد النفسي للاسترشاد:
المحور الثالث للتهيئة ويتمثل في الاستعداد النفسي للإسترشاد وهذا الجانب يتعلق بصاحب القضية أو المشكلة، وهو الطالب – هنا – والحديث في هذا الموضوع من ألصق الأمور بموضوع الإرشاد، فإن صاحب المشكلة هو موضوع الإرشاد ومقصوده، وكما أنه لابد من استعداد الطالب النفسي للتعلم، فإنه لابد من استعداد الطالب للإسترشاد، ولهذا جعل بعض المخططين لتعليم القيم والأخلاق مرحلة قبلية لابد من توفرها سموها: (الاستقبال)، وهو أول مراحل هذا التعلم، إذ أن الإستعداد النفسي والإنتباه الإختياري لسماع الإرشاد والنظر فيه أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، وفي بعض الأحيان يواجه المربون الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق هذا المستوى الضروري للتربية. قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}. وقال تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ، وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}. ويتركز إهتمام المرشد في هذه المرحلة التي هي نهاية عملية التهيئة وبداية عملية الإرشاد على جلب إنتباه الطالب إلى أهمية الإرشاد وإيجاد الرغبة لديه في الإستقبال والسماع.

140 وهذا يبدي صعوبة إيصال الإِرشاد إلى الشاب الذي يتلقى من هذه الوسائل بمحتوياتها المعاصرة والتي يظهر عليها الإِنحراف مما ينعكس على واقع الشباب الخلقي التأثر بالإِرشاد، وقد بين الله في القرآن أثر التراكم على القلب وتكوينه للحجب والموانع التي تحول بينه وبين التأثر بالموعظة والإِحساس بالمصيبة، والشعور بالوازع أو الدافع إلى الخير وطلبه قال تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ، كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}. أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبون من الإثم والمعصية، والقلب الذي يعتاد على المعصية ينطمس ويظلم، ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور، ويفقده الحساسية شيئاً فشيئاً حتى يتبلد ويموت. ومما يؤسف له ويزيد الأمر سوءاً أن معظم الناس يعلمون هذه الخطورة لوسائل الإعلام ولكنهم رغم ذلك لا يهتمون بتصحيح أوضاعهم، وتحصين نفوسهم، والعمل على حجب أو تخفيف هذه الآثار المتراكمة، ففي دراسة قام بها الدكتور عبدالرحمن عيسوي على الآثار النفسية والإجتماعية للتلفزيون وجد أن التلفزيون يضر أكثر مما ينفع عند الغالبية من أفراد المجتمع، حيث ان 72% من العينة الإحصائية قالت أن ضرره أكثر من نفعه.

141 نشاط حتى تكون عملية الإرشاد علمية وعملية و فعالة .. يجب على المرشد
أن يكون ملما بحالة المسترشد وحتى تكون المعرفة دقيقة يقوم المرشد بإعداد بطاقة لدراسة الحالة ابن بطاقة حالة تشتمل على أهم المعلومات اللازم معرفتها لنجاح عملية الإرشاد. نشاط

142 أسباب الاضطراب النفسي في رأي الدين
من الأسباب الرئيسية للاضطرابات والأمراض النفسية من وجهة نظر الدين ما يلي : الذنوب : الذنب هو مخالفة القوانين الإلهية واتباع هوى النفس الأمارة بالسوء. وتعتبر الذنوب والخطايا واقتراف الآثام وارتكاب المعاصي للقلب كالسموم إن لم تهلكه أضعفته، وهي لا تصدر إلا عن قلب ضعيف الإيمان فعلاً. قال الله تعالى : "… ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه…".( النساء : 111 ) وقال تعالى : "… إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون ” (الانعام : 120 ) ".

143 الضلال : إن الضلال عن سبيل الله والكفر والإلحاد والبعد عن الدين، ومعصية الله ورسوله، وعدم ممارسة العبادات، وتشويش المفاهيم الدينية، يؤدي إلى اضطراب السلوك. قال الله تعالى : " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها "(يونس ) وقال تعالى : " ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالاً بعيداً (النساء) ". ومن الضلال اتباع الشيطان الذي يضل أولياءه ويزين لهم أعمالهم مما يؤدي إلى انحراف السلوك. قال الله تعالى : " إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا… "( فاطر) ومن الضلال الإعراض عن ذكر الله مما يؤدي إلى الشقاء. قال تعالى : " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا… "( طه) وقال تعالى : " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين ( 36 ) وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون ( الزخرف) ". ومن الضلال الغفلة، قال الله تعالى : " ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( الحشر ) ". وقال تعالى : " اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون (الأنبياء: 1 ) ". ومن الضلال ارتكاب ما حرم الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتق المحارم تكن أعبد الناس "

144 الصراع : أخطر الصراعات لدى الإنسان هو الصراع بين قوى الخير وقوى الشر فيه. وبين الحلال والحرام، وبين الجانب الملائكي والجانب الحيواني في الإنسان. فيتأثر بذلك اطمئنان النفس المطمئنة ويحيلها إلى نفس مضطربة. ونحن نعرف أن الصراع إذا استحكم صرع الإنسان وأدى إلى القلق الذي يؤرقه ويخيفه، والصراع بين الخير والشر عند الإنسان دائم ومستمر، وهو كالصراع بين جيشين مع كل منهما سلاحه فأيهما غلب الآخر قهره وكان الحكم له، فالقلب إذا كان ضعيفاً والفرد شهوانياً، والحظ قليلاً من التوكل والتوحيد، انتصر الشر على الخير، وحين ينتصر الشر على الخير تتسلط الوساوس . وكم يقابل الفرد من صراعات نتيجة للفرق بين القيم المتعلمة القيم الفعلية والفرق بين المثل التي يتبناها الفرد وبين الواقع الفعلي . ضعف الضمير : ـ يقول البعض إن الأمراض النفسية ومظاهر سوء التوافق النفسي هي أمراض الضمير، أو هي حيلة هروبية من تأنيب الضمير. ويضاف إلى ضعف الضمير الضعف الأخلاقي والانحراف السلوكي الذي يترتب على ذلك.

145 تعقيب : ونرى أنه يمكن إضافة إلى ما ذكر من أسباب الاضطراب أيضاً :
أسباب أخرى : هناك أسباب أخرى كثيرة منها الأنانية وإيثار الحياة الدنيا والتكالب عليها، واتباع الغرائز والشهوات، والتبرج والإغراء، والغيرة والحقد وحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، والشك والارتياب.( زهران) تعقيب : ونرى أنه يمكن إضافة إلى ما ذكر من أسباب الاضطراب أيضاً : أن يتطلع الانسان إلى ما في يد غيره وقد نهى القرآن عن ذلك فقال " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ” كما قال الرسول (ص) " ارض بما قسم الله تكن أغنى الناس " .

146 ومنها أن يظهر الانسان خلاف ما يبطن وهو ما يسمى بالنفاق وقد كشفهم الله فقال " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " .( النساء : 142) ومنها محبة الكافرين والظالمين واتخاذهم أولياء من دون الله قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تقلون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق " ( الممتحنة : 1)

147 أعراض الاضطراب النفسي في رأي الدين
تعتبر أعراض الاضطراب النفسي في رأي الدين استجابة غير سوية لضمير الفرد بسبب ما تعرض له من إهمال، أو نتيجة لقيامه بسلوك يتضمن نوعاً من التحدي السافر لتعاليم الدين، ومن الأعراض الرئيسية للاضطراب النفسي من وجهة نظر الدين ما يلي : الانحراف : ـ ويشمل الانحرافات السلوكية وعلى رأسها الانحرافات الجنسية، ويشمل أيضاً الانحرافات الاجتماعية المختلفة مثل الكذب والسرقة والعدوان والتمرد والإدمان، وغير ذلك من أشكال السلوك المنحرف. الشعور بالإثم : ـويكون الشعور بالإثم والخطيئة والذنب نتيجة لما ارتكبه الفرد من أعمال وسوس إليه بها الشيطان وكان يود ألا يرتكبها، ويعتبر عنصراً أساسياً في تكوين العصاب، وهذا مما يثقل كاهل الإنسان ويجعله يتوقع العقاب. ونحن نعرف أن محور العصاب هو الخطيئة والشعور بالإثم مما يهدد الذات ويسبب حالة عدم الاتزان النفسي وسوء التوافق الاجتماعي، قال الله تعالى:"… لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ".( النور : 11)

148 الخوف : ـ ونقصد الخوف المرضي الدائم المتكرر الذي لا يمكن ضبطه أو التخلص منه أو السيطرة عليه، والذي يتملك سلوك الإنسان المخطئ يحكمه ويصاحبه سلوك عصابي قهري. القلق : ـ وهو آفة عصرنا الذي أصبح يطلق عليه "عصر القلق". وهو خوف غامض غير محدد مصحوب بالتوتر والضيق والتهيب وتوقع الخطر، وعدم الاستقرار العام، مما يعوق الفرد عن الإنتاج، ويجعل سلوكه مضطرباً.

149 الاكتئاب : ـ وهو حالة يشعر فيها الفرد بالكآبة والكدر والغم والحزن الشديد وانكسار النفس والتشاؤم دون سبب مناسب أو لسبب تافه، فيفقده لذة الحياة، ويرى أنها خالية من الأمن والسلام، لا معنى لها ولا هدف له فيها، فتثبط عزيمته ويفقد اهتمامه بعمله وشئونه، وقد يكره الحياة.( زهران )

150 تعقيب : من أعراض الاضطراب النفسي أيضاً : الكذب والذي يحاول الفرد أن يغطيه فيكثر من الحلف والأيمان ، كذلك من مظاهره الغيبة للناس والنميمة بين الأفراد كذلك يعتبر الحقد والحسد من مظاهر عدم السواء في الشخصية في نظر الدين ، ومن مظاهر الاضطراب أيضاً منع الخير والاعتداء على حقوق الآخرين وقد جمع القرآن هذه المظاهر جميعها فقال : " ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم " ( القلم)

151 الوقاية الدينية من المرض النفسي: ومن ذلك كله يتجلى أن الإيمان كثيرا ما تؤدي العقيدة المثلى والسلوك الصالح لاستقرار الأنا واطمئنان النفس ، لكن السلوك الذي يخرج عن الدين أو بالعكس الذي يأخذ شكل العبادة المفرطة يصل أحيانا أمرا خطيرا قد يؤدي إلى الشذوذ والانحراف وإلى مشتبكات نفسية معقدة ومن ذلك ينبغي أن تتضمن الوقاية من المرض النفسي في البيئة العربية الإسلامية الاهتمام بالتربية الأخلاقية، وبتركيز القيم الدينية كدعامة للسلوك السوي وكشرط أساسي للتوافق النفسي والاجتماعي. والمعروف، أن الدين الإسلامي يوحي بالاهتمام بالحياة الدنيا والآخرة، وبإحداث توازن بين الملذات والماديات والأخلاقيات والروحانيات كي يتم التوافق النفسي.ولقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ". ولنختم كلامنا بقول الشيخ الرئيس ابن سينا الذي أشار إلى أن أنفع البر هي الصدقة وأزكى السر هو الاحتمال، وخير العمل ما صدر عن خالص نية، وخير النية ما صدر عن الحكمة والفضائل وعن معرفة الله أول الأوائل

152 نشاط هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى الاضطراب النفسي كما أشار
لها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. اكتب تقريرا توضح فيه اشارات القرآن والسنة إلى جملة من الأسباب و الأعراض المرضية النفسية.

153 الصحة النفسية بين رؤيتين
غالبا ما تتمثل الصراعات النفسية في التناقض بين قوى الخير والشر، وبين الغرائز المحرمات، من ذلك الشعور بالذنب والخطأ الذي كثيرا ما يتسبب في القلق والفزع والعدوان واضطراب الطبع والسلوك . بيد أن أصول الشخصية الأساسية في البيئة الإسلامية لا تزال ترتكز على القيم الحضارية المنبثقة من تعاليم الإسلام لأن هذه القيم تبقى من العناصر الرئيسية الواقية من المرض النفسي والمخففة لوطأته عند حدوثه.

154 وقد أكد الكثير من علماء الإسلام على مفعول تعاليم الدين بقصد ترضية النفس واطمئنانها بواسطة التوبة والاستبصار واكتساب الاتجاهات الجديدة الفاضلة، وأن شخصية المسلم ترتكز على الإيمان بالقضاء والقدر والبر والتقوى وعلى مسئولية الاختيار وطلب العلم والصدق والتسامح والأمانة والتعاون والقناعة والصبر والاحتمال والقوة والصحة الخ، وكل هذه الخصال تشجع على إنماء الشخصية واكتمالها بقصد السعادة النفسية الشاملة. ومن هنا يتجلى مفعول العلاجات التقليدية في البيئة الإسلامية، الأمر الذي يفرض على الأطباء المحدثين أن يأخذوا هذه الطرق بعين الاعتبار ويدرسونها كي تستفيد ممارستهم الخاصة بتعاليمها وبذلك يحصل التنسيق والتكامل المنشود ويأتي هذا المقالة بعديد من الآيات البينات والقيم الأخلاقية المستخلصة من الحديث النبوي ومن أقوال أعلام الفلاسفة والعلماء المسلمين، في هذا الصدد.

155 إن الصحة النفسية تهدف إلى تنمية الفرد وجعله قادرا على نشاط مثمر وربط علاقات سوية مع الغير مع التمتع بإرادة ثابتة وعقيدة مثلى ليعيش في سلام وسعادة مع نفسه وذويه والمجتمع بصفة عامة. وإن الصراعات الباطنية التي يخوضها المرء طيلة حياته من شأنها أن تتسبب في اضطرابات نفسية شديدة إن لم يقع حلها بصفة مرضية وأخطر الصراعات تتمثل في الأنانية المفرطة والرغبات الملحة لتحقيق الشهوات مهما كانت الطرق والحيل المستعملة لهذا الغرض. وقد أجمع الكثير من العلماء على أن الخطأ هو في الذنب والألم الذي يشربه الإنسان نتيجة ما ارتكبه من أعمال سيئة وقذرة. وتعتبر هذه لعقدة كعنصر أساسي لتكوين العصابات يعني الأمراض العصبية باعتبار أن مظاهر سوء التوافق النفسي تمثل أمراض الضمير بل هي حيلة دفاعية للهروب من تأنيب الضمير. ومن أهم الأعراض النفسية المرضية مشاعر القلق والحصر والشعور بالذنب والخطأ أو بالعكس العدوان الظلم والسلوك المضطرب، والمنحرف الخارج عن الإقليم والمقاييس الاجتماعية.

156 ومن هنا نفهم الروابط والفوارق التي تقوم بين القيم الدينية والتحاليل النفسية الفرودية مثلا حيث أن النظرية الفرويدية يمكن أن تؤدي إلى سيطرة الغرائز الجنسية في كل الحالات، ولربما تشجع على ذلك في مفهومها السطحي الشائع بينما تحث القيم الدينية على التحكم في الدوافع والتغلب عليها بسيطرة النفس الفاضلة الضمير وهو الأنا الأعلى عند فرويد ونفهم إذن كيف لا يسعنا في مجتمعنا العربي الإسلامي وقد أثبتت ذلك تجربتنا الطويلة إلا أن نتماشى مع هذه القيم الدينية الأصيلة التي لا تزال قائمة في النفوس بشكل من الأشكال، وتعالج عادة الفرد من الصراع الذي يتخبط فيه انطلاقا من هذه المقاييس. وكثيرا ما يكون المريض يفهم خطابنا هذا ولا يفهم كلاما آخر مثل الكلام الغامض المعقد الذي نستخرجه من بعض النظريات شبه العلمية الغربية المصدر والتي لا تنفك باقية يوما بعد يوم عرضة إلى الانتقاد والمراجعة في المجتمع الغربي نفسه.

157 زد على ذلك كشرط تقني أساسي للتشخيص والعلاج، ضرورة فهم المريض من الداخل والتماشي معه يعني مع اعتقاداته وقيمه وإجمالا مع قواعد شخصيته الأساسية وهو السبيل الأفضل لمعاينته الدقيقة ولتركيز تشخيص مرضه بصفة قويمة ثابتة. هذا وإن الدين الإسلامي كثيرا ما يكون وسيلة لتحقيق الأمان والسلام النفسي وهو إيمان وأخلاق وعمل صالح وهو الطريق إلى سيطرة العقل وإلى المحبة والسبيل القويم إلى القناعة والارتياح والطمأنينة والسعادة والسلام. وقد أكدت التجربة منذ ما يقرب من ثلاثين سنة أن اللجوء إلى هذه المقاييس يصبح أمرا حتميا وعملا ناجعا في أغلب الحالات، وذلك بالرغم من تطور المجتمع السريع وابتعاد بعض الأوساط فيه عن القيم الدينية الأصيلة. وقد كتب وحلل وألف الكثير من الأطباء والعلماء المسلمين في مجال السعادة النفسية، وإن كل المذاهب الفلسفية الإسلامية التي تعرضت إلى فهم الروح وتحليل جوهرها وماهيتها قد أتت كما هو معلوم بتعاليم قيمة لتحقيق الاطمئنان للأفراد والجماعات، عبر الزمان والمكان.

158 كيف يحقق الإسلام الصحة النفسية؟؟؟
الإرشاد الديني و الصحة النفسية كيف يحقق الإسلام الصحة النفسية؟؟؟

159 تقديم : الإرشاد النفسي الديني Religious Psychological Counseling إرشاد شامل لاتجاهات واستراتيجيات إرشادية أخرى كثيرة ، حيث نجد له جانباً حليلياً يبرز كيفية تناوله وتحليله لأسباب وأعراض الاضطراب النفسي لدى الشخص ، ومثل ما يقوم به المرشد النفسي الديني أثناء المقابلة الإرشادية في الكشف عن مكبوتات اللاشعور ، وتعرفها وإخراجها إلى حيز شعور المسترشد لعلاجها ، كما يحدد المرشد النمو الديني والقيم المؤثرة على المسترشد ، وكيفية الإفادة منها في عملية الإرشاد ، بالإضافة إلى امتلاكه جانباً إنسانياً يبرز في تعامله مع الإنسان كوحدة كلية شاملة ، وفي نظرته لصاحب الإرادة القوية والعقيدة الصحيحة على أنه مسئول عن اختياراته وأفعاله وأقواله ، مما يجعله متمتعاً بالتوافق والصحة النفسية ، بالإضافة إلى الجانب المعرفي المتمثل في تناول العمليات المعرفية العقلية وآليات التفكير الشامل ، أما الجانب السلوكي في الإرشاد النفسي الديني فيتمثل في استخدامه مبادئ وقوانين التعلم وعمليات عادة التعلم وتغيير وتعديل السلوك لمساعدته على التغلب على اضطراباته النفسية ، بالإضافة إلى أساليب الترغيب والترهيب من وسائل الثواب والعقاب. ومن آليات الصحة النفسية التي يوظفها الدين كروافع نفسية ما يلي :

160 1- الصلاة Pray :الصلاة وسيلة يلجأ إليها الفرد طلباً للأمن والطمأنينة ، وهو يسير في خضم شدائد الحياة ، فقد أشار كل من Martin & Carlson إلى أن الصلاة تعد من أقدم الفنيات التي تستخدم في التدخلات العلاجية ، وأضاف أيضاً كل من Finne & Malony أن الصلاة كفنية علاجية مناسبة لخفض القلق ، فيتعلم الفرد منها الاسترخاء الذي يسهم كفنية للعلاج النفسي الديني في تخفيف أزمات الحياة ، وتكوين اتجاهات موجبة للتعامل مع ظروف الحياة ،بالإضافة إلى أن ما يمكن أن - يتعلمه الفرد من خلال الصلوات الخمس في اليوم ، والاقتناع بأن الأمور كلها بيد الله ،يصبح عادة عامة في جميع مناحي سلوكه ، ويحميه من والتوتر والانفعالات الحادة .

161 إن حالة الاسترخاء والهدوء النفسي التي تحدثها الصلاة تساعد على التخلص أيضاً من القلق الذي يشكو منه المرضى النفسيون ، فعادة ما تستمر تلك الحالة بعد الانتهاء من الصلاة ، وقد يواجه الفرد وهو في هذه الحالة – الاسترخاء – بعض الأمور أو المواقف المثيرة للقلق ، أو قد يتذكرها ، وتكرار تعرض الفرد لهذه المواقف المثيرة للقلق أو تذكره لها أثناء وجوده في حالة الاسترخاء والهدوء النفسي عقب الصلوات ، إنما يؤدي إلى ما يسمى بلغة النظرية السلوكية في عملية الإرشاد النفسي بـ : " الإنطفاء " التدريجي للقلق ، وإلى ارتباط هذه المواقف المثيرة للقلق بحالة الاسترخاء والهدوء النفسي ، وبذلك يتخلص الفرد من القلق الذي كانت تثيره هذه المواقف.

162 {بالإضافة إلى ذلك ، فإن من أهم ما تعتمد علية نظرية التحليل النفسي - إحدى نظريات الإرشاد النفسي - أن مجرد إفضاء الفرد بمشكلاته وهمومه والتعبير عنها إلى شخص أخر يسبب له راحة نفسية ، من خلال تخفيف حدة قلقه ، وهذا ما يسمى بـ : " التفريغ الانفعالي " ، فإذا كانت حالة الإنسان النفسية تتحسن إذا أفضى بمشكلاته لآخرين ، فما بالك بمقدار التحسن الذي يمكن أن يطرأ عليه إذا أفضى بمشكلاته لله - سبحانه وتعالى – {

163 وقد أشار كلاً من مارتن و كارلسون (Martin & Carlson, 1988) إلى أن الصلاة تعد من أقدم الفنيات التي تستخدم في التدخلات العلاجية، وقد أُشير أيضاً إلى أن الصلاة هي فنية علاجية مناسبة لخفض القلق لدى الأفراد, فيتعلم الفرد منها الاسترخاء الذي يسهم كفنية للعلاج النفسي الروحي (الديني) في تخفيف أزمات الحياة الصعبة، وتكوين اتجاهات جيدة و مناسبة للتعامل مع ظروف هذه الحياة، والاقتناع بأن الأمر كله بيد الله (Corey, 2005).

164 2- الوضوء: الوضوء يسبق الصلاة و له آثار نفسية وجسمية وروحية واجتماعية عظيمة ، فهو ليس تطهيراً للجسد مما قد يكون علق به من درن ، ولكنه أيضاً تطهير للنفس وتحريرها من مشاعر الذنب والإثم والعصيان ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات, هل يبقى من درنه شيء ؟ قالوا لا يبقى من درنه شيء. قال : فذلك مثل الصلوات الخمس, يمحو الله بهن الخطايا " ( رواه البخاري و مسلم )، بالإضافة إلى أن استخدام الماء في الوضوء كما أشار رشاد عبد العزيز موسى (2001 ) - يحدث حالة من تجديد النشاط ، وإزالة التوتر وإحداث حـالة الراحة والاسترخاء ، وهذا ما أشارت إليه نظريات الإرشاد النفسي الحديث ،

165 كما أوضح زهران ( 1995) بـ : " الإرشاد النفسي بالماء " الذي يستعمل في علاج حالات القلق والهياج الحركي والانطواء ، وله تأثيره الإيجابي على الجهاز العصبي ، فيؤدي إلى استرخاء العضلات، وتهدئة المريض. يشير محمد عثمان نجاتي ) إلى أن الماء البارد يهدئ من فورة الدم الناشئة عن الانفعال ، كما يساعد على تخفيف التوتر العضلي عند الغضب ، حيث قال : " إن الغضب من الشيطان ، وإن الشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء ، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ " وقد استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الوضوء في علاج الاضطرابات النفسية ، ومن بينها (رواه أبو داود).

166 3-الصوم: الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم :
دراسة طبية ونفسية عن بيولوجيا الجهاز العصبي والسلوك أثناء الصوم ، تحاول هذه الدراسة الإجابة عن العديد من التساؤلات التي أوردها بعض المستشرقين وبعض المشككين وهواة الجدل، في عصر ازدهار تكنولوجيا علم النفس الفسيولوجي والدراسات النفسية و البيولوجية للمخ والجهاز العصبي للإنسان حيث يسأل البعض ما هي الحكمة من الصوم وتحمل الحرمان والصيام عن أشياء حللها الله من غرائز وشهوات ورغبات بل وأحلها له طوال العام وما فائدة ذلك ؟ وتجيء عدة إجابات غير مباشرة من دراسات نفسه حديثة من الغرب.

167 فالشيء المدهش أن يصدر من الغرب في السنوات الأخيرة سلسلة دراسات صدر أغلبها من الولايات المتحدة الأمريكية ومراكز علمية غربية أخرى تشير إلى خطورة انفجار رغبات الناس وتضخم شهواتها وفقد قدرتهم على تقليل النهم وكثرة الاختيارات وتعدد الاستجابات وعدم السيطرة على غريزة التملك وشهوة الرغبات . فقد أكدت دراسات " د. كانمان " من جامعة " برنستون " الأمريكية أن عدم خفض الاختيارات والتحكم في الرغبات قد أدى بالفعل – حسب دراسته الميدانية – إلى تزايد الإحساس بالكآبة بل وظهور معدلات الاكتئاب بدرجة تتناسب عكسياً مع وفرة وكثرة الاختيارات، وأشار أن الناس لم يتعلموا طريقة للسيطرة على شهواتهم.

168 أما دكتور " تفيرسكي " من جامعة  "ستانفورد " فقد توصل إلى نفس النتيجة، وأخيراً في عام 2004 صدرت دراسة دكتور " باري شوارتز " Barry Schwartz التي أكدت ارتفاع معدلات مرض الاكتئاب ومشاعر الإحباط و التعاسة نتيجة الإفراط في الاختيارات وعدم القناعة – وهذا اللفظ بدأ يدخل ضمن الاصطلاحات النفسية العلمية – وأشار أيضاً إلى أن أغلب أفراد المجتمع لا يعرفون طريقة لضبط شهواتهم وخفض نهم وشره رغباتهم كل هذه الدراسات وغيرها تؤكد ضرورة أن يتدرب الإنسان ولو لأسابيع محددة على هذا الأسلوب من الضبط الذاتي للشهوات وبالتالي للغرائز و الانفعالات والسلوك.. أي ضرورة أن يتعلم ضبط شهواته بالصوم لفترة كافية، ولقد أدهشني تخصص مراكز طبية في الغرب للعلاج بالصوم مع التأمل المتسامي Transcendental meditation ومنها مركز شهير في السويد وآخر في البرتغال

169 وتتضح حكمة الصوم وفوائده إلى جانب حكمته الدينية التي لا يستطيع بشر الوصول إلى أعماق أسرارها.. فالله سبحانه يقول في كتابه العزيز " يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون " .. ثم تأتي أحاديث الرسول – صلى الله عليه وسلم – لتحدد موصفات الصوم المتكامل الذي يتصف بضبط الشهوات والصبر على الرغبات وتحمل الجوع والعطش .. أي برنامج متكامل لتنمية قدرات الإنسان على الضبط الذاتي وإعادة برمجة الجهاز العصبي والسلوكي بلغة هذا العصر ، فيقول صلى الله عليه وسلم : " ليس الصيام من الأكل والشرب وإنما الصيام من اللغو والرفث فإن سابك أحد ، أو جهل عليك، فقل إني صائم .. إني صائم"..( في حديث النبي عن أبي هريرة رضي الله عنه

170 ولقد تأكدت من خلال دراسة أكثر من عينة عشوائية من المتطوعين وأصحاب المشكلات النفسية من جوانب الإعجاز العلمي والنفسي في الصوم، وفعاليته في تعديل التفكير والسلوك والتخلص من العادات غير المرغوبة وتنمية القدرة على الضبط الذاتي ونوجز نقاط الإعجاز العلمي الحديثة عن الصوم في المنهج الإسلامي كالأتي

171 إن الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجيا ونفسياً وسلوكياً
إن الضبط الذاتي الذي يلتزم به الصائم بيولوجيا ونفسياً وسلوكياً .. ابتداء من الامتناع عن الأكل والشرب والجماع ، وانتهاء بكف الأذى وغض البصر .. يمنحه تدريباً عالياً وقدرة جيدة على التحكم في المدخلات والمثيرات العصبية مع القدرة على خفض المؤثرات الحسية ومنعها من إثارة مراكز الانفعال لديه بدرجة ترتبط بخفض الإثارة في نشاط التكوين الشبكي في المخ .. وهذه الحالة هي درجة من الحرمان الحسي deprivation Sensory ولقد ثبت أن تقليل المؤثرات الحسية له تأثيرات إيجابية على النشاط الذهني والقدرة على التفكير المترابط العميق والتأمل والإيحاء .. وإن الضبط الذاتي قد اتبع في أغلب الأديان وبواسطة الأنبياء والحكماء والمفكرين .. وأنه يمنح الإنسان قدرات عالية على الصفاء والحكمة والتوازن النفسي

172 إن تحمل ألم الجوع والصبر عليه يحسن من مستوى مادة السيروتونين Serotonin وكذلك ما يسمى بمخدرات الألم الطبيعية التي يقوم المخ بإفرازها وهي مجموعتان تعرفان بـ : (1) مجموعة الأندورفين Endorphins كب من 31 حمضاً أمينياً Amino Acids مستخلصاً من الغدة النخامية Pituitary Gland ولهذه المواد خواص في التهدئة وتسكين الألم أقوى عشرات المرات من العقاقير المخدرة والمهدئة الصناعية (2) مجموعة الانكفالين Enkephalins وتتركب من عدد 5 أحماض أمينية Amino Acids وتوجد في نهايات الأعصاب . ولكي يستمر إفراز هذه المواد المهدئة والمسكنة والمزيلة لمشاعر الألم و الاكتئاب لابد أن يمر الإنسان بخبرات حرمان ونوع من ألم التحمل وأن يمتنع عن تناول المواد والعقاقير التي تثير البهجة وتخدر الألم خاصة الأفيون ومشتقاته وبعض العقاقير المخدرة الحديثة

173     يحتاج تعلم الصبر والإرادة إلى تدريبات وردت في كثير من دراسات علم النفس الحديثة .. ويمثل الصوم تدريباً يومياً منظماً يساعد الإنسان على تغيير أفكاره واتجاهاته وسلوكه بصورة عملية تطبيقية تشمل ضبط وتنظيم المراكز العصبية المسئولة عن تنظيم الاحتياجات البيولوجية والغرائز من طعام وجنس ، وأيضاً الدوائر العصبية والشبكات الترابطية الأحدث التي تشمل التخيل والتفكير وتوجيه السلوك

174 يساعد الصوم على حدوث تفكك نوعي في الحيل النفسية Mental Mechanisms وهي حيل وأساليب لا شعورية يلجأ إليها الفرد لتشويه ومسخ الحقيقة التي لا يريد أن يقبلها أو يواجهها بصدق ، وذلك حتى يتخلص من المسئولية ومن حالة التوتر والقلق الناتجة عن رؤية الواقع الذي يهدد أمنه النفسي واحترامه لذاته .. فهي مثل الأكاذيب التي بلغت درجة التصديق والمعايشة على المستوى ألا شعوري .. وهذا الحيل النفسية أنواع متعددة مثل الكبت والإسقاط والإنكار، ولكن أكثرها مقاومة وتشويهاً للواقع ما يسمى بحيلة العقلنة Intellectualization ، حيث يستخدم الفرد الفهم الخبيث غير المسئول محل الفهم الصادق الذي يحرك الإنسان لعمل الخير والإحسان. ولقد وجدت ضعف أغلب هذه الحيل المعوقة للنمو الإنساني خلال الصوم وأثناء جلسات العلاج النفسي ويحدث هذا الانهيار للحيل الدفاعية مع الصائم العادي كلما ازداد خشوعه وصدقه.. وقد لاحظت ارتباط ذلك باتساع دائرة الترابط بين التفكير الواعي والعقل الباطن بما يسمى بعملية Information processing أي إعادة تنسيق المعلومات على مستويات المخ المختلفة وهي تماثل إعادة برمجة العقل

175 يساعد الصوم على ممارسة خلوات علاجية ، وتأمل ، مما يساعد الفرد على الخروج من دوامة الصراعات اليومية والتوتر وإهدار الطاقات النفسية والذهنية ، وإصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو يحدث أثناء الصيام تعديل مستمر للحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه طوال اليوم من عبارات وجمل تؤثر في أفكاره وانفعالاته . ويمثل الصوم فرصة لغرس معاني وعبارات إيجابية مع الاستعانة بالأذكار والدعاء وممارسة العبادات بانتظام .. ويحدث ذلك في إطار مبادئ علم النفس الحديثة حيث يتم التعلم من خلال التكرار وإتباع قاعدة التعليم المتدرج، التعلم بالمشاركة الفعالة ، وأسلوب توزيع التعلم .. كل ذلك في إطار منظومة متكاملة تسمح بإعادة برمجة حقيقية للجهاز العصبي والسلوكي .. وتعديل التفكير وتغيير العادات .. وحيث يصبح الصوم عبادة وتأمل .. وأيضاً تعديل للنفس البشرية والتخلص من الانفعالات الاضطرابات النفسية.. وإطلاق لطاقات العقل

176 ولنذكر إجمالا هنا تعاليم ومرتكزات الصحة النفسية كما يراها الخلفاء الراشدون ورجال التصوف وأعلام الفلسفة والفقه والمنطق الإسلامي الذين أصبحت تحاليلهم قدوة للنهضة الفكرية بالغرب أمثال الكندي والفارابي والرازي وابن سينا والغزالي وابن شد وابن النفيس وإسماعيل الجرجاني وابن رشد وابن العربي وابن الجزار ومحمد الصقلي وغيرهم .

177 ا- طريقة العلاج الديني: يضع البعض " العلاج الديني " الذي يقوم على مبادئ روحية سماوية مقابل " العلاج النفسي " الدنيوي الذي يرتكز على السعادة في دار الدنيا بكل جوانبها المادية والأدبية ويقصد بذلك طرق العلاج التي تقوم على أساليب ومفاهيم وضعها البشر ولو كانت نفسية المصدر والأهداف. لكن الدين يوفر أحيانا الأمن الذي قد لا تستطيع أساليب علم النفس المعاصر أن توفره ، ومع ذلك ففي طرق العلاج النفسي الدنيوي نجد بعض أعلامه يؤمنون بأن الدين عامل هام في إعادة الطمأنينة إلى النفس. فقد أكد كارل يونج أهمية الدين وضرورة إعادة فرص الإيمان والرجاء لدى المريض، وأكد ستيكل أهمية تدعيم الذات الأخلاقية على هذا الأساس. ومن ذلك يصبح الحلاج النفسي الديني أسلوب توجيه وإرشاد وتربية وتعليم. ويقوم على معرفة الفرد لنفسه حسب المبادئ الروحية والأخلاقية العقائدية. ويمكن أن يمارس العلاج الديني كل من المعالج النفسي والطبيب النفساني وكذلك المربي وحتى رجل الدين على شرط أن يكون هؤلاء على دراية بأمر المصاب ويقع إرشادهم وتطلب مشاركتهم في هذا المجال من طرف الطبيب النفساني الحديث، وهذا الأمر يجري العمل به مثلا في عديد من المصحات النفسية التي تعالج بأوروبا محاولات الانتحار مثل مصحة فيينا المختصة بحالات الطوارىء الانتحارية، ذلك لأن العلاج النفسي الديني ككل العلاجات النفسية بمثابة عملية يشترك فيها المعالج والمريض معا .

178 2- استخدامات العلاج النفسي الديني: هذا ويمكن اليوم حسب ما أكدته لنا التجارب استخدام العلاج النفسي الديني في البلاد العربية والإسلامية- بصفة خاصة - والحالات التي يتضح أن أسبابها وأعراضها تتعلق بالسلوك الديني للمريض ، بالإضافة إلى الهذيانات الدينية نفسها بل في غالب الحالات فإن العلاج الديني يفيد كثيرا في نوبات القلق والوسواس والهستيريا وتوهم المرض أو داء المراق والخواف والرهاب والاضطرابات الانفعالية، ومشكلات الزواج وكل الصراعات الفتاكة المبنية على التكالب عن، ملذات دار الدنيا أو على الهرب في وضعية اليأس والانهيار النفسي، وخاصة الإدمان على الكحول الذي يحرمه الدين وحالات الاكتئاب والتشاؤم والمسالك الانتحارية المحرمة أيضا بتاتا في القرآن والحديث، وحتى الوضعية السيكوباتية التي هي مشهورة بشدة تأصلها وصعوبة علاجها.

179 3- قواعد التربية الدينية في الإسلام: هذا وإن التربية بمعناها الواسع تشمل عادة صفة من صفات التربية الدينية لاسيما في بلادنا العربية والإسلامية وهي منبثقة من المحيط الأطلسي سواء من الأبوين أو من المدرسة ، ذلك أن تربية الشخص تتضمن تقويمه ني حدود إطار أخلاقي للسلوك وإن القيم الروحية والأخلاقية المنبثقة من تعاليم الإسلام كثيرا ما تهدي الفرد إلى الاستقامة والسلوك السوي ولقد قيل " من يسلك بالاستقامة يسلك بالأمان " وفي كل الأحوال يبقى مشكل، سلوك الإنسان مرتبطا بمكارم أخلاقه إن الأخلاق ، المستمدة من الدين تنظم سلوك الإنسان وتهديه إلى الصراط المستقيم وتحاسبه إن هو أخطأ أو انحرف. وقال رسول الله r: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وقال على بن أبي طالب رضي الله عنه: " نعم الحسب الخلق الحسن ". وحسن الأخلاق يتماشى مع الاستقرار النفسي وترضية الضمير والكف عن السباق نحو شهوات الدنيا وما ينتج عن ذلك من حسد وحقد وصراع بين الأشخاص وفي نفسيه الفرد بذاته

180 4 - شخصية المسلم واطمئنان النفس: ولو أردنا استعراض سمات شخصية المسلم كما حددها الدين لاستغرقنا في الحديث، طويلا فلنكتف ببعض نماذج تستخلص من كلام الله عز وجل وحديث رسوله حول سمات شخصية المسلم. 1- الإيمان بالقدر: قال تعالى: (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون وهنا ينبغي أن يفسر هذا القول دوما بصفة إيجابية كحث على قبول المصائب بصدر رحب دون الالتجاء إلى مظاهر اليأس والوهن والانهيار أو دون الالتجاء إلى السلوك العدواني المعاكس أو التهجمات المفرطة التي لا يحمد عقباها، ودلا يعني ذلك الاستسلام بل العمل على أن نتعدى أمرنا ونقفز بعد ذلك إلى الأمام لنتغلب على الشدائد والمصائب. 2- مسئولية الاختيار: قال تعالى: { بل الإنسان على نفسه بصيرة } ، وهنا تتجلى حرية الفرد في اختيار مواقفه وسلوكه بكل دراية وهو هدف عديد من العلاجات النفسية المعاصرة.

181 3- طلب العلم: قال الله تعالى: (فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما ) ، ويتضمن ذلك قابلية المؤمن للتوعية والإرشاد. 4- الصدق: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) والصدق فضيلة هامة جدا يرتكز عليها اطمئنان النفس إلى حد بعيد ، ويقاس به مدى انهيارها إذا خلفت ذلك، من ذلك أن بعض الأخصائيين في علم النفس الحديث قد اخترعوا ركائز لقياس مقدرة الفرد على الصدق والإخلاص استخبار الصدق لهنري باروخ التسامح : قال الله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه كأنه ولي حميم } ، والتسامح من الفضائل الهامة لاطمئنان النفس ونيل الارتياح الأمانة: قال تعالي: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا ) .

182 7- الرحمة : قال رسول الله r : " الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وهذه الخصال الحميدة لها وزن كبير في سلوك الأفراد الأسوياء والمرضى في آن واحد، ولنذكر هنا بطاعة الوالدين والعناية بهما وبضرورة حسن معاملة الأولياء لأبنائهم ولذويهم على أسس المحبة والرحمة. 8- التعاون : قال الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ) وقال أيضا: (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون ، وقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ) وقال رسول الله r :" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وفي ذلك أعظم العبر وأسمى التعاليم للتوافق الأسري والاجتماعي الذي ترتكز عليه قواعد الصحة النفسية.

183 9- القناعة: وهي من أفضل الخصال البشرية التي تنهي عن التناطح العنيف نحو تحقيق السعادة المادية التي لا حد لها ، والتشبع بقيم التنافس القاسي الذي لا رحمة فيه لأحد والذي يتصف به من سوء الحظ عديد من مظاهر المجتمعات العصرية المرتكزة على قاعدة الاستهلاك شرقا وغربا، وقد ازدادت في هذه المجتمعات الأمراض النفسية في الكم والكيف كما هو معروف. أما القناعة فهي تعالج الاضطرابات النفسية الناجمة عن الحقد والغيرة وكراهية الغير المنافس، ومن جهة أخرى السلوك المنحرف الناتج عن الإحباط وما ينتج عنه من سوء التوافق الفردي مع الذات ومع الغير، وإن كان المسلم يحمد الله فليس لغرض غير. غرض السعادة الروحية والاطمئنان وقبول حالته بصدر رحب مع الملاحظ أن ذلك لا يعني الاستسلام والفشل والركود في الذل والخسارة والخصاصة بل إن القيم الأخلاقية الإسلامية تشجع كما هو معروف من جهة أخرى على الإقدام والإزعاج والابتكار لكن بدون أن تستعمل في ذلك وسائل القهر والعنف والحيل الظالمة والرذائل المكروهة بصفة عامة.

184 10- الصبر: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) (.... وبشر الصابرين )، ويا لها من عبرة فائقة في هذا الصدد حيث تتكاثر الأمثلة في مجال الطب النفسي التي تبرهن على أهمية الصبر والتحكم في النفس على هذا الأساس العفة: قال تعالى: ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ) ومن هنا يتجنب الفرد الشر والرذائل على مختلف أنواعها القوة والصحة: قال رسول الله r : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.. " وقال: " إن الله لم يضع داء إلا وضع له دواء ". وفي ذلك تشجيع على تقوية النفس وتسييرها نحو الإقدام والشجاعة ومزيد من الفاعلية والتفاؤل للخير مستقبلا وكذلك بقصد تجنب كل بوادر اليأس والانهيار. هذا وينبغي للطبيب النفسي المسلم المعاصر أن يفهم كل هذه التعاليم والقيم في مظاهرها الإيجابية الفاضلة وفي غاية من الاتزان والاعتدال، ليتمكن من تحقيق التوافق النفسي والرقي البشري للفرد والجماعات في كل المجالات .

185 ومن هنا نستخلص في آخر الأمر قوة مفعول العلاجات التقليدية النفسية التي تستعمل إلى يومنا هذا في كل الأقطار العربية الإسلامية في زوايا الأولياء الصالحين ، ومن طرف المعالجين التقليديين غير الأطباء الذين يبرهنون أحيانا على مهارة مدهشة وعلى تحكم دقيق في أساليب علاجاتهم الروحانية هذه بينما يعجز بعض الأطباء المحدثين، على أن هؤلاء المعالجين يتصفون أحيانا بالشعوذة والتدجيل من سوء الحظ وعلى الطبيب المعاصر الماهر أن يغربل ما بين الفضائل والرذائل وما بين اللب والقشور، ويستخلص من كل هذه الطرق العبرة والمفاهيم الصحيحة ليركز المريض على أساس إيجابي انطلاقا من اعتقاداته الأصلية وفي فائدته أولا وبالذات.

186 نشاط يلعب الوضوء و الصلاة دورا فاعلا في تحقيق الصحة النفسية للمسلم.
وضح ذلك بإيجاز. كيف يحقق الصوم الصحة النفسية للمسلم؟؟ كان لعلماء النفس المسلمين رأيا جليا في بيان أهمية الدين كرافعة للصحة النفسية للمسلم. تحدث عن هذه الآراء في نقاط محددة. نشاط

187 الوسائل والفنيات المستخدمة في الإرشاد الديني

188 فنيات الإرشاد النفسي الديني
تقديم: الإرشاد النفسي الديني طريقة توجيهية وإرشاد وعلاج وتربية وتعليم، وتقوم على معرفة الفرد لنفسه ولربه ولدينه والقيم والمبادئ الدينية والأخلاقية . وهدف الإرشاد النفسي الديني كما ذكرنا تحرير الشخص المضطرب من مشاعر الإثم والخطيئة التي تهدد طمأنينته وأمنه النفسي، ومساعدته على تقبل ذاته وتحقيق وإشباع الحاجة إلى الأمن والسلام النفسي. ويحتاج الإرشاد النفسي الديني إلى المرشد المؤمن ذي البصيرة القادر على الإقناع والإيحاء والمشاركة الانفعالية، الذي يتبع تعاليم دينه ويحترم الأديان السماوية الأخرى. ويمكن أن يمارس الإرشاد الديني كل من المرشد النفسي والمربي وعلماء الدين، وحبذا لو كان ذلك في شكل فريق متكامل. إن الإرشاد النفسي الديني عملية يشترك فيها المرشد والمسترشد، والمرشد يتناول مع المسترشد موضوع الاعتراف والتوبة والاستبصار، ويشتركان معاً في عملية تعلم واكتساب اتجاهات وقيم، والمسترشد يلجأ إلى الله بالدعاء مبتغياً رحمته، مستغفراً إياه ذاكراً صابراً على كل حال، متوكلاً على الله مفوضاً أمره إليه. فنيات الإرشاد النفسي الديني

189 يرى أبو النور ( 1996) ) أنه توجد العديد من الفنيات الخاصة بالعلاج النفسي الديني التي لها أثر فعال في علاج النفس الإنسانية من اضطراباتها المختلفة ، وهذه الفنيات تستمد منهجها وإجراءاتها من الكتاب والسنة ، وهي عديدة ومتنوعة ، وتتناول العلاج بالتوحيد ، بالأدعية والأذكار ، بالاستغفار، بالصبر ، بالصلاة ، بالتخيل ، بالاسترخاء ، بالأضداد ، وتلك الفنيات يمكن اعتبارها فنيات معرفية سلوكية في آن واحد ، وتركز على أفكار المريض واتجاهاته المرضية المختلة وظيفياً وتمده بالمهارات التي تساعده على ممارسة السلوكيات المتكيفة. يشيرWorthington ( 1989) إلى أن اختيار المعالج أو المرشد النفسي للفنيات الإرشادية في عملية الإرشاد النفسي الديني يتوقف على شروط مهمة وهي: &أن يعرف المرشد أن استخدام أي فنية علاجية إنما تساعد في تحقيق التعزيز الإيجابي للناحية الدينية للعميل . &أن يستخدم المرشد الفنيات الموجودة في الدين الذي يؤمن به ، بالإضافة إلى الفنيات الأخرى ، مثل : فنيات التحليل النفسي ، أو السلوكية ، أو المعرفية ، أو الوجودية وغيرها. &الاندماج الديني Religious Involvement أي المشاركة الدينية بين المعالج والعميل التي تؤدي إلى العلاقة القوية وإزالة الفوارق بينهما.

190 هذا ما يميز الإرشاد النفسي الديني عن الإرشاد النفسي الانتقائي أو التكاملي ، كأسلوب وصفي متكامل منظم لمزيج من الفنيات المختلفة ، التي ينتقل خلالها المرشد حسب ظروف المسترشد صاحب المشكلة ، الذي يأتي للعلاج الانتقائي بمجموعة من الاضطرابات النفسية الناتجة عن مشكلات متعددة ؛ الأمر الذي يحتم على المرشد مواجهتها بعلاجات متعـددة الوسائل ، مع التركيز على استدامة العلاج ؛ باستخدام الأبعاد السبعة للشخصية BASIC– ID ، هي : السلوك ، والوجدان ، والإحساس ، والتخيل ، والمعرفة ،والعلاقات الشخصية ، والعقاقير ولذا تشير Qulsoom Inayat(2001) إلى أن الإرشاد النفسي التكاملي Integrative Counseling يعد وسيلة من وسائل الإرشاد النفسي الذي يتعامل مع العميل داخل الإطار الطبيعي والاجتماعي له ، ولكن الإرشاد النفسي الإسلامي ينتفع من المبادئ الأساسية للإرشاد التكاملي ، ويضيف إليها بعداً جديداً ، وهو العلاقة بين العميل وخالقه . ويرى ابن القيم أن أساليب العلاج الديني هي الأساليب الإيمانية المعروفة من محاسبة النفس والتوبة والإنابة والرجوع إلى الله والدعاء والذكر والعبادات ، وقد أورد الكثير من هذه الجوانب في كتبه ، مثل : مدارج السالكين ، والوابل والصيب من الكلم الطيب ، وإغاثة اللهفان، وطريق الهجرتين وباب السعادتين ، والجواب الكافي (الداء والدعاء) ، والطب النبوي000وغيرها .

191 ومن خلال المراجعة المسحية للدراسات السابقة حول الإرشاد النفسي الديني في خفض قلق المستقبل – على حد علم الباحث – عرضت تلك الدراسات لعديد من الفنيات : كالأدعية والأذكار ، والوضوء ، والصلاة ، والتوحيد ، وقراءة القرآن الكريم ، وأمثلة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأسفرت عن فعاليتها في علاج النفس الإنسانية من اضطراباتها المختلفة ؛ لأنها تستمد منهجها وإجراءاتها من القرآن الكريم والسنة النبوية ، ويمكن استخدام بعض هذه الفنيات في إطار الفنيات النفسية التي نادت بها نظريات الإرشاد النفسي الحديثة ؛ لتدعيم تلك الفنيات النفسية بالمحتوى الديني ؛ لتعرف مدى فعاليتها في تخفيف قلق المستقبل المهني. وعلى الرغم مما في القرآن الكريم من معلومات كثيرة وشاملة عن النفس الإنسانية ، أكثر مما في العلوم الدنيوية الأخرى ، فليس في القرآن الكريم " نظرية نفسية " مخططة مبوبة ذات فصول وتفصيلات ، ولكن هذه المعلومات المنبثقة في ثنايا القرآن الكريم يمكن أن تستوحى في استخلاص نظرية شاملة عن النفس . و يشير محمود إبراهيم عبد العزيز فرج إلى أنه لا توجد فنيات محددة للإرشاد النفسي الديني ، ولكن المرشد النفسي يستخدم الفنيات التي يتميز بها الإرشاد النفسي الديني أو الموجودة في الإرشاد الدنيوي Secular Counseling فهو يستخـدم العلاج التحليلي ، والسلوكي ، والمعرفي ، والإرشاد النفسي الديني .

192 وأخيرا عند ذكر الأساليب والفنيات التي يستخدمها المرشد في الإرشاد الديني قد نجد تشابهاً بينها وبين بعض الأساليب المستخدمة في بعض النظريات الغربية كالسلوكية وغيرها ولكن لا بد أن ندرك أن هذه الأساليب كانت موجودة قبل السلوكيون وقبل التحليليون وقبل غيرهم وهي وإن نسبت لهم لكن لا يرجع الفضل في إيجادها لهم ولا لهم السبق في استخدامها بل نجد في المصادر الإسلامية ما يبين أنه استخدمها وعالج بها ومنها:

193 1- الاعتراف : ـ نظرية الاعتراف بالذنب وظلم النفس أمام الله نظرية قرآنية. وضرب القرآن الكريم مثلاً من الاعتراف بالذنب بما صدر عن آدم وحواء عليهما السلام عند مخالفتهما أمر الله، إذ قالا كما جاء في قوله تعالى : " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكون من الخاسرين"( الأعراف : 23) وذكر في قصة سيدنا يونس عليه السلام، قال الله تعالى : " وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين (الأنبياء : 87 ) فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ". والاعتراف يتضمن شكوى النفس من النفس طلباً للخلاص وللغفران. إن الاعتراف فيه إفضاء الإنسان بما في نفسه إلى الله، وهو يزيل مشاعر الخطيئة والإثم ويخفف من عذاب الضمير، ويطهر النفس المضطربة ويعيد إليها طمأنينتها ،ويظهر مفهوم الذات الخاص حيث يكشف الفرد عن ( عورته النفسية ) بقصد الإرشاد. ولذلك يجب على المرشد مساعدة المسترشد على الاعتراف بخطاياه وتفريغ ما بنفسه من انفعالات ومشاعر الإثم المهددة. ويتقبل المرشد ذلك في حياد. ويتبع الاعتراف التكفير عن الإثم والرجوع إلى الفضيلة.

194 2 - التوبة : هي طريق المغفرة، وأمل المخطئ الذي ظلم نفسه وانحرف سلوكه وحطمته الذنوب وهو في حالة جهالة، أي اندفاع وطغيان شهوة، وصحا ضميره. قال الله تعالى : " إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم "( النساء)والتوبة تحرر المذنب من آثامه وخطاياه وتشعره بالتفاؤل والراحة النفسية. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التائب حبيب الرحمن، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له".( ابن ماجة) والتوبة تؤكد الذات وتجعل الفرد يتقبل ذاته من جديد بعد أن كان يحتقرها. ونحن نعرف أن " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " ( ابن ماجة ) قال الله تعالى : " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ".( البقرة) وقال تعالى : " وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ".( الشورى) والتوبة لها أركان ثلاثة : علم وحال وفعل، فالعلم هو معرفة ضرر الذنب المخالف لأمر الله. والحال هو الشعور بالذنب. والفعل هو ترك الذنوب والنزوع نحو فعل الخير.

195 والتوبة لا بد أن يتبعها تغيير السلوك المنحرف إلى سلوك سوي صالح
والتوبة لا بد أن يتبعها تغيير السلوك المنحرف إلى سلوك سوي صالح. قال الله تعالى : " كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءاً بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ".( الانعام ) ومن شروط التوبة العزم على عدم العودة إلى المعاصي والذنوب. قال الله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحاً عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار"(التحريم) وفي الحديث القدسي قال الله عز وجل: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله أفرح بتوبة عبده، من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرب إلي شبراً، تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً، تقربت إليه باعاً، وإذا أقبل إلي يمشي أقبلت إليه أهرول".(ابن ماجة )

196 3 - الاستبصار : هو الوصول بالفرد إلى فهم أسباب شقائه النفسي ومشكلاته النفسية والدوافع التي أدت إلى ارتكاب الخطيئة والذنوب، وفهم المسترشد لنفسه وطبيعته الإنسانية ومواجهتها، وفهم ما بنفسه من خير ومن شر، وتقبل المفاهيم الجديدة، والمثل الدينية العليا. ويتضمن هذا نمو الذات التي تحكم السلوك السوي للإنسان في ضوء بعدين رئيسيين : البعد الرأسي الذي يحدد علاقة الإنسان بربه، والبعد الأفقي الذي يحدد العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان. قال الله تعالى : " بل الإنسان على نفسه بصيرة".( القيامة)

197 4 - التعلم : ويتضمن تغير السلوك نتيجة خبرة التوجيه والإرشاد واكتساب مهارات وقيم واتجاهات جديدة. ومن خلال ذلك يتم تقبل الآخرين، والقدرة على ترويض النفس وعلى ضبط الذات وتحمل المسئوليات، والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية مبنية على الثقة المتبادلة والقدرة على التضحية وخدمة الآخرين، واتخاذ أهداف واقعية مشروعة في الحياة مثل القدرة على الصمود وعلى العمل والإنتاج. وهكذا يتم تكوين وتنمية النفس اللوامة أو الضمير أو الأنا الأعلى كسلطة داخلية أو رقيب نفسي على السلوك. ويتم تطهير النفس وإبعادها عن الرغبات المحرمة وغير الأخلاقية وغير الاجتماعية. ويستقيم سلوك الفرد بعد أن يتبع السيئات الحسنات فتمحوها، وتطمئن النفس المطمئنة. قال الله تعالى : " إن الحسنات يذهبن السيئات ".( هود) وقال تعالى : " يا أيتها النفس المطمئنة * ارجعي إلى ربك راضية مرضية * فادخلي في عبادي * وادخلي جنتي ".( الفجر)

198 5 - الدعاء : ـ هو سؤال الله القريب المجيب والاستعانة يه والتضرع إليه والالتجاء إليه في كشف الضر عند الشدائد. قال الله تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ". ( البقرة :186). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله "( أحمد : 2756 وفي الدعاء سمو روحي يقوي الفرد بالإيمان. وهو علاج أكيد للنفس التي أشرفت على الهلاك حين يطلب الإنسان العون من القوي القادر فيشعر بالطمأنينة والسكينة ويزول عنه الخوف ويتخلص مما هو فيه من الهم والتوتر والضيق والقلق. قال الله تعالى : " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم…". ( غافر : 60) ويجب أن يستمر الدعاء في السراء والضراء. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " دعوة ذي النون، إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ". لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا أستجيب له. ( أحمد : 1464 )

199 6 - ابتغاء رحمة الله : ـ وفي ذلك قوة روحية تؤدي إلى التفاؤل والأمل وتخلص من الآلام والمتاعب، وبالإيمان والأمل يعالج الفرد ما يعتريه من مشكلات متذرعاً بالحكمة والصبر مترقباً رحمة الله وانفراج الأزمة. قال الله تعالى: "… ورحمتي وسعت كل شيء…".(الاعراف : 156) 7 - الاستغفار : ـ إن الإنسان ـ غير المعصوم من الخطأ ـ إذا أخطأ وشعر أنه ظلم نفسه وصحا ضميره، لا يقنط من رحمة الله بل يذكره ويستغفره، واثقاً في قوله تعالى : " استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ".(نوح :10) وقال تعالى : " ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا " ( زهران ، 1998 : 355 )

200 بعض الوسائل و الفنيات و النماذج السلوكية

201 1ـ استخدام النماذج السلوكية الصحيحة (الملاحظة).
مثال: " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (الأحزاب: 21). "ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" (الحشر: 9).

202 2. ـ التنفيس الانفعالي. مثال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن قالوا: أتبكي يا رسول الله وقد نهيتنا عن البكاء؟! قال: هذه رحمة جعلها الله في قلوب المؤمنين"( أحمد : ) 3 ـ العبادات كعلاج نفسي. مثال: "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر" (العنكبوت: 45)."واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" (البقرة: 45)."إن الإنسان خلق هلوعاً.. إلا المصلين" (المعارج: 19 ـ 26).

203 5 ـ الاسترخاء. 6 ـ استخدام حديث النفس.
4 ـ ضبط النفس وقوة الإرادة.: مثال: "ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".(النووي،) "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم" 5 ـ الاسترخاء. مثال: "إذا غضب أحدكم وهو واقف فليجلس وإن كان جالساً فليتكئ".( أحمد : ) "إذا غضب أحدكم فليتوضأ".(أحمد : ) 6 ـ استخدام حديث النفس. مثال: "فإن سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم".( أحمد : 7276 ) "إذا حدثتك نفسك قائلة: من خلق الله؟ فقل: آمنت بالله".( أحمد : 7708 ) 7 ـ استخدام الموعظة التي تقوم على تحليل الموقف وما يترتب عليه ومساعدة الفرد على الحكم على السلوك وتغييره.

204 مثال: قصة الرسول مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا.
8 ـ استخدام التعزيز من خلال: الثواب ـ المدح ـ تنمية التعزيز الداخلي بطلب الأحر من الله. مثال: "من قتل قتيلاً فله سلبه"( أحمد : ) "من أحيا أرضاً ميتة فهي له"( أحمد : )"إن الله يحب المحسنين" (آل عمران :134) "والله مع الصابرين"(البقرة:153) 9 ـ استخدام أسلوب العقاب لإبطال السلوك السلبي أو إضعافه. مثال: "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله" (النور: 2). " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من عند الله" (النساء: 38).

205 10 ـ استخدام أسلوب الإهمال والإعراض لإطفاء السلوك السلبي.
مثال: "واللاتي تخافون نشوزهم فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن" (النساء: 34). 11 ـ الكف بالنقيض (استخدام استجابة قوبة مضادة لاستجابة مؤلمة). مثال: " فأصابكم غماً بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم" (آل عمران: 153). 12 ـ إزالة الحساسية التدريجي. مثال: كيفية تحريم الربا وتحريم الخمر. 13 ـ وقف الخواطر. مثال: "وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من إنه هو السميع العليم" "الأعراف: 200). (الشناوي ، 2001 : 131 )

206 وقد عرف الإمام الغزالي الخاطر
'بما يخطر على القلب ' فينبه بعد أن كان غافلاً عنه ، ويحرك الإرادة في الفعل . فالخاطر يحرك الرغبة . والرغبة تحرك العزم . والعزم يحرك النية . والنية تحرك الأعضاء . فالخواطر مبدأ الأفعال الظاهرة والباطنة .

207 واتفق ابن القيم مع الغزالي في تفسير الأفعال بالخواطر ، فقال في غض البصر :
'إن النظرة تولد الخطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولد الفكرة شهوة ، ثم تولد الشهوة إرادة ، تقوى فتصير عزيمة ، فيقع الفعل' . وتفسير السلوك بالخواطر وما يقع فيها من إرادة كالأتي : الخاطر يولد فكرة . والفكرة تظهر حاجة أو رغبة . والحاجة تولد الإرادة . والإرادة تثير الدافع . والدافع يحرك السلوك ، أو الاستجابة أو الفعل .

208 وهذا التخيل يتفق مع ما تقول به نظرية دوافع السلوك بالحاجات في علم النفس الحديث . والتي تفترض أن المثيرات الخارجية والداخلية تثير حاجة ، والحاجة تثير دافعاً ، والدافع يحرك إلى سلوك وسيلي ، لتحقيق الأهداف التي تشبع الحاجات . ولا يمكن لنا فهم الناس والتنبؤ بسلوكاتهم إلا إذا عرفنا دوافعهم والحاجات التي تشبعها: المثيرات الخارجية والداخلية >> الحاجة>> الدافع>>السلوك.

209 من خلال ما سبق نرى أن الإرشاد الإسلامي يتسع لكل طريقة يفكر فيها الكاتب المسلم ولكن فقط عندما نطبقها كمرشدين مسلمين ينبغي أن نستخدمها في إطار المنهج الإسلامي القائم على وجود عقيدة صحيحة والقيام بواجب العبادة وشرط المعاملة، وإن لم نطبق هذه الطرق في هذا الإطار فإن النتيجة ستكون كما يحدث في الغرب: ظاهر فيه الشفاء وباطن فيه انحراف جديد سرعان ما يظهر مرة أخرى.

210 نشاط ما الدلالات النفسية لكل فنية مما يلي: الاعتراف؟
الاستغفار و التوبة؟؟ الدعاء؟؟ يتسع الإرشاد الديني لكل فنية من شأنها أن تساهم في تحقيق الشفاء النفسي للمريض نشاط

211 الإرشاد النفسي الديني ونظريات الإرشاد النفسي المعاصر .
الإرشاد النفسي الديني ونظريات الإرشاد النفسي المعاصر . تمهيد لا ينكر أحد أهمية النظرية في الارشاد النفسي حيث أنها تمثل خريطة واضحة المعالم أمام المرشد فهي تساعده في الطريقة التي يتعامل بها مع المسترشد وقد تعددت النظريات حيث حملت كل نظرية اتجاهاً معيناً وفما يلي عرض مختصر لأهم مكونات النظريات الغربية في الارشاد ومقارنتها بالارشاد النفسي الديني

212 1- الإرشاد الديني والنظرية التحليلية
يرى المعالج بالتحليل النفسي أن الإنسان ينطلق من جوانب ترتبط بالشر حتى السلوك الذي يبدو أنه خير هو حيل دفاعية تنطلق من رغبات شهوانية محرمة لذا فإن هدفه الأساسي هو مساعدة المريض على استحضار المخزونات الموجودة في اللاشعور إلى حيز الشعور والتعامل معها ويعتمد المعالج على التداعي الحر وتشجيع التحويل من المريض للمعالج والتعامل مع مواد لا شعورية وبالذات الأحلام، ومنطلق هذه النظرية مؤداه أن سلوك الإنسان محكوم بغريزتي الجنس والعدوان ومحورهما الشر ووجود رغبات محرمة تعارضهما ضوابط المجتمع والأخلاق، لذا ترى هذه النظرية أن الصراع دائم بين مكونات "الهو" المعبر عن الشهوات و"الأنا الأعلى" المعبر عن القيم والضمير و"الأنا" كجانب تنظيمي بينهما، وكذلك الصراع بين اللاشعور بما يحتويه من مكبوتات وبين الشعور ومحاوله هذه المكبوتات الخروج من اللاشعور الذي لا يملك حتى الفرد مفاتيحه لذا يحاول المعالج خلال رحلة العلاج الطويلة هو مساعدة المريض على استحضار ما في اللاشعور إلى حيز الشعور ويتعرف عليه من خلال المعالج وتفسيراته. (الشناوي: 1991: 96)

213 تعليق:ـ الإرشاد الديني لا يقبل هذا المنطلق فالإنسان ليس شريراً بل في فطرته الخير والشر "وهديناه النجدين" (البلد). كما أن الصراع في الإنسان بين الخير والشر وليس مع مكونات افتراضية وهمية قال بها فرويد ولم يستطيع التدليل عليها كما أن الصراع وحل الصراع في الإسلام يتم في مستوى الوعي والشعور وأنه لا يحتاج هذا الوقت الخارق الذي يأخذه المعالج السيكودينامي بل قد يأخذ لحظات فقط إذا غلب جانب الخير فيه.

214 2- الإرشاد الديني والنظرية السلوكية
يرى المرشد في هذه النظرية أن الإنسان خالي من الخير والشر في طبيعته فسلوك الإنسان (والذي يعبر عن شخصيته) هو استجابات مقابل مثيرات، ويهدف المرشد في هذه النظرية إلى تعليم المرضى سلوكيات جديدة وإبطال سلوكيات غير مرغوبة، ويفترض المرشدون السلوكيون أن السلوك السوي وغير السوي إنما هو مكتسب نتيجة العلاقة مع أحداث البيئة سواء كانت مثيرات قبل السلوك أو معززات وعقاب تقع بعد السلوك أو نتيجة ملاحظة أحداث تقع أمامه وقد أطلقوا على النوع الأول (الإشراط الكلاسيكي) وعلى الثاني (الإشراط الإجرائي) وعلى الثالث (التعلم بالملاحظة) وتقوم طرق الإرشاد السلوكي على تحليل الروابط بين السلوك وما يؤثر فيه من مدعمات أو عقاب أو سلوكيات يقوم بها الآخرون ويلاحظها الفرد ثم التدخل بناءً على ذلك والذي قد يكون كالتالي: أ ـ غرس سلوك جيد. ب ـ تقوية سلوك ضعيف موجود. ج ـ إضعاف سلوك أو إلغائه بالعقاب. د ـ وقف السلوك بإلغاء التدعيم من خلال الإطفاء. هـ ـ أو بعرض نماذج سلوكية جيدة يلاحظها الشخص.( الشناوي،1991)

215 تعليق:ـ أخطأت هذه النظرية في اعتبارها الإنسان خالي من الخير والشر فالإسلام يعتبر أن الخير والشر موجودان في طبيعة الإنسان. "فألهمها فجورها وتقواها" (الشمس: 7) واعتبارها أن الخير والشر من صنع البشر وصنع البيئة التي يعيش فيها الفرد وبالتالي فقدت المعيار الذي يحتكم له الفرد وجعلته معياراً متغيراً ليس له ثبات ولا استقرار، كما أسرفت في اهتمامها بدور الأحداث اللاحقة أو السابقة مما جعل الإنسان وكأنه آلة أمام تلك الأحداث كما أنها اختزلت طاقات الإنسان وقدراته واعتبرت أنه يمكن تعميم التجارب التي أجريت على فئران المختبرات والقطط والكلاب على الإنسان متجاهلة المميزات الهائلة والجذرية التي يمتاز بها الإنسان على الحيوان. فالله يقول: "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات" (الإسراء: 70). كما أن الأساليب التي يستخدمها السلوكيون لتعديل السلوك هي جيدة لكن ليس بمعزل عن الجوانب العقلية وخصائص الفرد والتي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار.

216 3-الإرشاد الديني والاتجاه العقلاني الانفعالي
يرى أصحاب الاتجاه العقلاني الانفعالي أن الاضطراب النفسي ينشأ نتيجة اضطراب التفكير من حيث: كيف ينظر المرء للحوادث؟ ما هو تفسيره لها؟ ما هي خبرته المعرفية من قبل؟ وكان "إلبرت أليس" أهم رواد هذا الاتجاه الذي يرى أن ما يعانيه الفرد من انفعالات مكدرة كالقلق والحزن لا تنتج عما وقع له من أحداث قريبة تبدو في الظاهر وكأنها أسباب هذه الانفعالات، وإنما هو نتيجة لأفكار خاطئة موجودة لدى هذا الشخص حول الأحداث التي وقعت، وهو "أي إلبرت أليس" يرى أن العلاج يكمن في التعرف على الجانب غير العقلاني في التفكير ثم مهاجمته وتوضيح عدم عقلانيته يلي ذلك إحلال الأفكار الصحيحة أي العقلانية مكانه ثم يكون بعد ذلك ما قد يكون من أساليب تعديل السلوك. ( الشناوي،1991)

217 تعليق:ـ لا شك أن الحديث عن وجود عقلانية ولا عقلانية في تفكير الإنسان هو أمر جيد وجميل ولكن ما هو معيار العقلانية الذي يحاكم "إلبرت إيليس" إليه أفكار الناس فيصنف أن هذا التفكير عقلاني وهذا غير عقلاني؟! الحقيقة أنه لا يوجد معيار موضوعي ثابت ولكن يوجد معيار شخصي وقد يكون المعيار من المعالج يحاول به أن يبرز للمسترشد لا عقلانية أفكاره و" إلبرت إيليس" نفسه عرف عنه ادعاؤه بأن الدين جانب من العوامل التي تنمي الأفكار اللاعقلانية، لذا فإن وجاهة الفكرة لا تلبث أن تضيع في خضم غياب المعيار في تحديد ما هو خير وما هو شر. أما في الإرشاد الديني فإن المعيار واضح وهو متمثل في القرآن الكريم. حيث يقول القرآن الكريم: "وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله " (الأنعام).

218 4- الإرشاد الديني و(نظرية الجشطلت)
يرى أصحاب هذه النظرية أن الاضطراب النفسي ينشأ عن انشغالات المرء بأحداث لم تتم في الماضي أو أحداث لم تقع في المستقبل وعدم معايشة الحاضر وعدم تقدير المسئولية وعدم الملامسة المباشرة لما يمر به من خبرات لذا فهدف المعالج في هذه النظرية هو زيادة الوعي لدى الفرد بحيث يتمكن الفرد من ملامسة خبراته والواقع الذي يعيش فيه وتعتمد هذه النظرية في تحقيق هذا الهدف جملة من الأساليب تهدف إلى استحضار قدرات الفرد ليشعر بما حوله ويلامسه وبالتالي يزداد إدراكه لواقعه وما يجري حوله وتقل انشغالاته التي لا فائدة من ورائها حول ماضٍ ضاع فيه شيء أو مستقبل يتخوف مما فيه تخوفاً كبيراً، لذا يتخذ "بيرلز" من مبدأ "هنا والآن" مبدأً أساسياً في العلاج حيث يستهدف زيادة وعي الفرد بما يقع حوله في المكان والزمان وعدم تشتيت انتباهه بالبحث في الماضي أو المستقبل، ويوافق "بيرلز" "فرويد" على أهمية غريزة الجنس في سلوك الإنسان ويضيف لها غريزة أولية هي "الجوع" ويدعو إلى إشباع هذه الحاجات لتنمو الشخصية بشكل سليم. ( الشناوي،1991: 101)

219 تعليق:ـ مما لا ريب في أن كثيراً من الأمراض النفسية ترجع إلى انشغالات بأمور لا يملك الإنسان حيالها شيئاً سواءً من حيث القدرة على منعها أو عدمه. ولكن "بيرلز" نراه يهتم بالجوانب البيولوجية تاركاً وراءه الجوانب الروحية العليا، بل حتى حين يهتم بالمسؤولية كجانب عام في بناء الشخصية نجده يقول: "وإن الفرد المثالي لن يتحمل مسؤولية فرد آخر" أي أن كل فرد عليه مسؤولية نفسه فقط وهذا تخلي عن مسؤوليات مهمة أكبر كالمسؤولية عن الوالدين والزوجة والأولاد والمجتمع قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً" (التحريم: 5).

220 5- الإرشاد الديني ونظرية العلاج بالواقع
يرى "وليام جلاسر" أن الطفل يولد ولديه حاجة لتكوين هوية وأنه يرتبط بهذه الحاجة حاجتان فرعيتان هما الحاجة للحب والحاجة للشعور بالأهمية وأن الشخص قد يطور هوية نجاح أو هوية فشل وذلك من خلال اندماجه مع الآخرين وإشباع الحب والأهمية، ويعتبر "جلاسر" أن الاضطراب النفسي هو تكوين هوية فشل وهي راجعة عن ابتعاد الفرد عن الواقع والمسؤولية والاستقامة لذا فهدف العلاج في هذه النظرية هو الوصول بالمسترشد إلى تحقيق هوية نجاح من خلال إدماجه مع شخص له مثل هذه الهوية كالمرشد مثلاً في علاقة تتسم بالحب وسعياً به نحو تنمية المسؤولية وملامسة الواقع واتباع الطريق الصحيح (الاستقامة) ومن خلال خطة واقعية يدرك فيها الفرد مسؤولياته عن أعماله وإصلاح حياته. ( الشناوي،1991: 106)

221 تعليق:ـ لا شك أن نظرية العلاج بالواقع وأن "جلاسر" من القلائل الذين ألمحوا إلى أهمية الدين والأخلاق في الإرشاد النفسي ولكن الخلل في هذه النظرية هو افتقادها إلى المعيار الموضوعي في الحكم. فجلاسر يبين أهمية "اتباع الطريق الصحيح" والاستقامة ولكن ما هو معيار هذه الاستقامة؟ لا يوجد سوى المعيار الشخصي والذي قد لا يكون موجوداً عند المرشد نفسه وهذه مشكلة.

222 6- الإرشاد الديني ونظرية العلاج بالمعنى
يرى "فرنكل" صاحب نظرية العلاج بالمعنى أن الاضطراب النفسي ناتج عن فقدان الشخص معنى لحياته وهو ما أطلق عليه "الفراغ الوجودي". ( الشناوي،1991: 113) تعليق:ـ هذه النظرية توضح الحال النفسي الذي وصل له الإنسان في الغرب عندما تخلى عن الدين فخلت حياته من كل معنى ومن كل قيمة تبرر وجود هذا الإنسان في هذه الأرض، ثم ما هو الهدف الذي سيضعه فرنكل للمسترشد وما هو المعنى الذي سيكسبه لحياته لا شك أنها أهداف ومعاني أرضية لا تصلح أن تكون أهدافاً حقيقية ولذلك سيخف المسترشد ثم لا يلبث أن يعود من جديد. أما الإسلام فقد جعل هدفاً عظيماً ومعناً رائعاً للحياة فقال: "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (الذاريات: 59

223 7- الإرشاد الديني ونظرية الذات
ترى هذه النظرية أن الإنسان موجه بالخير وأن الشر طارئ عليه فهو قادم من عمل المجتمع ممثلاً في معارضات من لهم أهمية في حياة الفرد وخاصة في طفولة وأن المرء لو ترك لكيانه الذاتي فإن حكمه على خبراته سيكون سليماً ولا يضطرب نفسياً بينما تجاوبه لتقويمات المجتمع وشروط الأهمية التي يطرحها المجتمع هو الذي يدفعه إلى إنكار بعض خبراته مما ينشئ القلق والمرض النفسي وأن الفرد هو الذي ينبغي أن يضع معاييره من داخله.

224 فهذه النظرية ترى أن الاضطراب النفسي لدى الفرد يأتيه نتيجة افتقاره لعلاقة آمنة مع الأشخاص ذوي الأهمية في حياته والذين يحتاج إلى موافقتهم ورضاهم عن تصرفاته. وأن المعالج عليه توفير علاقة آمنة للمسترشد خالية من التهديد الذي اعتاد أن يستقبله ممن حوله مما جعله يرفض ذاته فتعيد له هذه العلاقة الآمنة القدرة على التعامل مع خبراته تساعده على تحقيق ذاته ويرى "روجرز" أن الإنسان لديه دافع قوي هو دافع "تحقيق الذات" وهذا له حاجتان فرعيتان هما: الحاجة إلى التقدير الذاتي والحاجة إلى تقدير من الآخرين وهذه الأخيرة لا يحصل عليها بسهولة وإنما يطالبه الآخرون بشروط مقابل إعطاءه تقديرهم، سمى "روجرز" هذه بـشروط الأهمية" التي يستقبلها من الوالدين ثم من الأشخاص المهمين بالنسبة له . ويرجع "روجرز" الاضطراب إلى محاولة الفرد الوفاء بشروط الأهمية ولو على حساب اهتماماته وخبراته وذاته مما ينشئ الاضطراب لذا على المرشد رفع شروط الأهمية في العملية الإرشادية. ( الشناوي،1991: 116)

225 التعليق:ـ لا شك أن الإيجابية تظهر خلال هذا الاتجاه الإنساني لهذه النظرية إلا أن الخيرية التي يراها "روجرز" هي تصور شخص فإنه يبرر وجود الشر في الإنسان إلى عمل المجتمع التي تبنى على أساس القيم والأخلاق والدين بل يتطرف "روجرز" فيقرر أن معايير المجتمع تلك هي التي تعرقل نموه النفسي، ولا شك أن روجرز ومدرسته لهم الفضل في إبراز الجانب الوجداني في الإنسان ونادوا بالعودة إلى إنسانية الإنسان إلا أنه أخطأ عندما جعل الإنسان هو الخصم وهو الحكم هو الفاعل للسلوك وهو الذي يضع معايير القبول ومعايير الخير والشر وهذه دعوة إلى الفوضى ولا شك حيث لن يكون هناك معياراً ثابتاً نحتكم له بل معايير شخصية لا ضابط لها ولا حاكم، كما يربط "روجرز" حياة الإنسان كفرد غايته الأولى والأخيرة هي تحقيق ذاته ومعايشة الخبرات التي تحقق رضاه عن نفسه، أما ما يوافق الآخرين فهذا لا يهم بل هو سبب مرضه وكأنه يرى كما فرويد أن الصحة النفسية هي التحرر من قيود المجتمع

226 تعليق عام على النظريات:ـ
من خلال كل ما سبق يرى الكاتب أن أي نظرية لا تأخذ الدين في حسابها حين تتحدث عن الإنسان وعن سلوكه وعن اضطراب هذا السلوك وكيفية إصلاحه هي بغير شك نظرية قاصرة غير موضوعية محكومة بذاتية واضعيها وفلسفتهم وفرق كبير أن يكون مصدر معرفتنا ربانياً يتنزل به الوحي أو سنة نبوية تتبع هذا الوحي وبين أن يكون مصدر هذه المعرفة حول النفس مجرد مقولة بشرية لا أساس لها بل ربما يكون صاحبها مضطرباً نفسياً أو مدمناً للمخدرات أو صاحب شخصية بالغة التقصير.

227 نشاط في ضوء دراستك لنظريات الإرشاد
المعاصرة بين ما يلي : نشاط 1- الفرق بين الإرشاد الديني والإرشاد المعاصر. 2- أي النظريات أقرب للإرشاد الديني . مع التعليل . 3- أي النظريات تتعارض مع الإرشاد الديني . مبينا مظاهر الاختلاف . 4- كيف للمرشد المسلم الاستفادة من هذه النظريات؟

228 بعض أساليب الإرشاد النفسي الديني
إن اختيار المعالج النفسي أو المرشد النفسي للفنيات و الأساليب في عملية الإرشاد النفسي الروحي (الديني) يتوقف على شروط مهمة كما أشار إليها Worthington ( 1989) سابقا ، وهذه الشروط هي: 1- أن يعرف المرشد أن استخدام أي فنية إرشادية إنما تساعد في تحقيق التعزيز الإيجابي للناحية الروحية للمسترشد. 2- أن يستخدم المرشد النفسي الفنيات الموجودة في الدين الذي يؤمن به، بالإضافة إلى الفنيات الأخرى، كفنيات التحليل النفسي مثلاً, أو فنيات العلاج السلوكي، أو فنيات العلاج المعرفي, أو العلاج الوجودي و غيرها. 3- الاندماج الديني (Religious Involvement) أي المشاركة الدينية بين المرشد والمسترشد داخل العملية الإرشادية و التي تؤدي إلى العلاقة القوية وإزالة الفوارق بينهما.

229 و يذهب البعض بالقول بأنه لا توجد فنيات محددة للإرشاد والعلاج النفسي الديني، ولكن المرشد النفسي يستخدم الفنيات التي يتميز بها الإرشاد النفسي الديني أو الموجودة في الإرشاد النفسي بشكل عام, فهو يستخـدم فنيات العلاج التحليلي، أو فنيات العلاج السلوكي مثلاً، أو فنيات العلاج المعرفي، و الديني. فالعلاج النفسي الديني هو علاج شامل لاتجاهات واستراتيجيات علاجية أخرى كثيرة، حيث يظهر له جانب تحليلي يبرز كيفية تناوله وتحليله لأسباب وأعراض الاضطراب النفسي لدى الشخص، مثل ما يقوم به المعالج أو المرشد النفسي الديني أثناء المقابلة الإرشادية في الكشف عن مكبوتات اللاشعور, وتعريفها وإخراجها إلى حيز شعور المسترشد لعلاجها.

230 كما يحدد المعالج أو المرشد النفسي النمو الديني و القيم المؤثرة على المسترشد، وكيفية الإفادة منها في العملية الإرشادية، بالإضافة إلى امتلاكه جانباً إنسانياً يبرز في تعامله مع الإنسان كوحدة كلية شاملة، و في نظرته لصاحب الإرادة القوية والعقيدة الصحيحة على أنه مسئول عن اختياراته و أفعاله و أقواله، مما يجعله متمتعاً بالتوافق والصحة النفسية، بالإضافة إلى الجانب المعرفي المتمثل في تناول العمليات المعرفية العقلية وآليات التفكير الشامل.

231 فالدين الإسلامي ثرى بالأفكار والمفاهيم التى يمكن الاعتماد عليها فى دحض وطرد الأفكار الخرافية والمخاوف والأوهام وبث الطمأنينة والسكينة فى النفوس .. كما أن السنة المطهرة بها العديد من النماذج السلوكية التى قدمها الرسول الكريم ويمكن الاعتماد عليها فى تعديل السلوكيات والعادات السيئة غير المرغوبة .. وبذل كل الجهود الممكنة لإخراج العلاج بالقرآن من دائرة الجان والعفاريت وتخليصه من براثن الدجل والشعوذة .

232 تطبيقات عملية لمنهج الرسول في تعديل السلوك وتغيير العادات

233 ظهر في السنوات الأخيرة كم هائل من الدراسات والأبحاث التجريبية المنضبطة التي تشير جميعها إلى إن السلوك الإنسان لا يتغير من خلال التوجيهات والنصائح أو كثرة الوعظ والكلام عن القيم النبيلة والفضائل والآداب الرفيعة .. فالبرغم من أهمية هذه النصائح والتوجيهات إلا أن أثرها الفعلي في تعديل التفكير وتغيير الاتجاهات والسلوك يظل محدودا ما لم يرتبط بتطبيقات عملية وأنماط سلوكية تستمر لفترات طويلة وتدعم من البيئة المحيطة لضمان تكرارها وتثبيتها حتى تتحول إلى عادات راسخة في السلوك الانسانى .. ويصدق هذا بالطبع بل ويصبح اكثر الحاحاً فى عصرنا هذا .. عصر السرعة والتعجل والتشوش الذهنى الناتج عن تأثير الثقافات والسلوكيات الواردة الينا من الشرق والغرب ، وحالة عدم التوازن وفقدان القدرة على تحديد الاهداف ومواصلة السعى لتحقيقها التى اصبحت ايضا من العوامل التى تؤكد على ان التغيير الايجابى المنشود لن يأتى ابدا من خلال الخطاب الوعظى اوالتوجيهات الصارمة او العلوم والمحفوظات النظرية المنفصلة عن الواقع ، والتى تجعل الناس تعيش فى منظومة لا نهائية من الازدواجيات والتناقضات ..

234 ان السلوك والعادات لا تستقر وتستمر إلا من خلال اساليب وتطبيقات عملية قادرة على تحويل المعانى والمفاهيم الاخلاقية الى انماط ثابتة من السلوك تقوم على مفاهيم وافكار ايجابية يحرص المجتمع على مكافئتها وتدعيمها حتى تتأصل وتستمر. ان ما يسمعه الشباب من نصائح وتعاليم مرسلة وخطب نارية يتبخر من الذهن بعد دقائق تحت تأثير التشوش الذهنى وزحام الحياة وضغوطها .. وارتباك التفكير وتداخل القيم وعدم وضوح الاهداف والرؤية المستقبلية ، وفيضان المثيرات التى يراها الناس فى الفضائيات ، والصراعات التى يعايشونها على ارض الواقع . لذلك فإن تعديل التفكير والتخلص من الافكار السلبية والانهزامية الهدامة وكذلك تعديل السلوك وتبنى انماط وعادات صحية وايجابية راسخة ومستمرة لن يحدث إلا من خلال التحول من الثقافة الوعظية و علوم الكلام وفلسفة الاخلاق الى التدريب والتطبيق العملى لعلوم سلوكية إسلامية عصرية وتطبيقية جديدة .

235 ولقد اشتمل القرآن والسنة النبوية الشريفة على عدد هائل من هذه النماذج السلوكية العملية والتطبيقات العملية فى كيفية التصرف فى مختلف نواحى ومواقف الحياة وتحت مختلف الضغوط والظروف النفسية والاجتماعية ، مما يفرض علينا ضرورة دراسة وتحليل هذه النماذج والمهارات السلوكية والتدريب عليها .. بل وضرورة تأسيس علوم جديدة فى فقه السلوك تهتم بدراسة تلك الاساليب السلوكية وتطويرها لتتناسب مع العصر وظروفه ، وان يكون ذلك وفق مناهج التفكير العلمى التجريبى .. مع الاستفادة من علوم النفس والطب النفسى والاجتماع وبحوث التعلم وعلوم النفس المعرفية وقواعد العلوم السلوكية والتى من اهمها التدرب فى تعديل السلوك واستخدام اسلوب المكافأة والتدعيم وغيرها لتثبيت السلوكيات المرغوبة والعادات الايجابية . ولقد وردت النماذج السلوكية العظيمة التى قدمها الرسول (صلى الله عليه و سلم) فى مواقف الحياة المختلفة فى السنة وفى تراثنا الدينى .. وجميعها تحتاج الى إعادة دراستها وعمل نوعاً من الحفريات السلوكية التى تهتم بتحليل ودراسة السلوك ومهاراته ولا تتوقف عند النص اللفظى او التعاليم والحكم اللفظية المرسلة بمعنى أن لا يقتصر اهتمامنا على الحديث وألفاظه –رغم اهميته البالغة- بل على السلوكيات والتصرفات بمهاراتها وخطوات ممارستها تبعاً لكل الظروف المحيطة بها .. وهناك العديد من اساليب تعلم السلوكيات المختلفة وتثبيتها والاستفادة منها مثل التعلم عن طريق النمذجة (التعلم من النماذج الضمنية ) والتكرار والمحاكاة وأساليب الضبط الذاتى وغيرها..

236 ولقد قدم الرسول صلى الله عليه وسلم نماذج عملية حية ذات طبيعة تعليمية تسمى في علم النفس بالنماذج الضمنية وتعتبر أحد اساليب تعديل السلوك في علم النفس الحديث . ولا شك أن العديد من الدراسات والأبحاث التجريبية الحديثة تؤكد أن سلوك الإنسان لا يتغير بمجرد الاستبصار أو العلم بسبب المشكلة كما كان يعتقد فرويد ومدارس علم النفس التقليدية . وأن التوجيه والنصح والوعظ أو التعاليم المرسلة ـ رغم أهميتها ـ لا تكفي لتعديل السلوك وتثبيت السمات والأنماط السلوكية الجديدة وأنه قد آن الأوان إلى التحول من الثقافة الوعظية إلى الأساليب العصرية التطبيقية ، فتغير السلوك شئ صعب واكتساب بعض السمات والعادات أكثر صعوبة ،

237 ولقد قدم الإسلام مجموعة من الاساليب الفعالة في هذا المجال تتفق مع الأبحاث الحديثة ومع آراء علماء معاصرين ، فقد أشار الأمام الغزالي رحمه الله في كتابه " إحياء علوم الدين " إلى عدة اساليب وردت في تراثنا الإسلامي لتعديل السلوك واستخدم لفظ رياضة النفس ليؤكد على أهمية التدريب العملي المستمر لاكتساب وتثبيت السلوكيات المرغوبه : فعلى سبيل المثال يوضح كيفية السيطرة على الغضب وتعلم الحلم والصبر من خلال التدريب الذي يبدأ بالتكلف والإفتعال ـ إذا لزم الأمر ـ لفترة زمنية كافية مصداقا للحديث الشريف (( إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم )) حتى يصبح جزءً من المنظومة العصبية والسلوكية للفرد ..ويتطلب ذلك الألتزام بخطوات متدرجة تصاعدياً , مع التقيد الصارم بنظام محكم ومتواصل .

238 ومن النماذج العملية التي قدمها الرسول صلى الله عليه وسلم لتزكية المهارات الاجتماعية والتواصل الإجتماعي الذي يدعم التوافق الاجتماعي والصحة النفسية .. أنه صلى الله عليه وسلم كان يبدأ من لقيه بالسلام وبوجه بشوش .. وكان إذا لقى أحداً من الصحابة بدأه بالمصافحة.. وكان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التى تحته.. وكان يعطى كل من جلس إليه نصيباً من وجهه.. أى من النظر اليه والاهتمام به.. وكان فى كل سلوكه يتسم بالحياء والتواضع.. كما كان أكثر الناس تبسماً وضحكا فى وجه أصحابه. لقد كان محبوبا يلتف الناس حوله ويتعلقون به.. فصدق فيه قول العزيز الحكيم " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ” فاعفوا واصفحواً” وقولوا للناس حسناً”.

239 و كان صلى الله عليه و سلم ـ يردد في أكثر من موقف
( تبسمك في وجه أخيك صدقة ( لذلك ننصح كل شخص ان يزكى فى نفسه هذه الصفات : - أن يبتسم فى وجه الآخرين.. وهناك مقولة فى الغرب تقول "إذا اردت ان تعيش سعيداً.. فقط ابتسم فى وجه من تقابله". - ان يكثر من القاء السلام وتحية الآخرين وان يبدأ بالمصافحة. - ان يعطى اهتمامه لكل من يجلس إليه او يتحاور معه. - أن يكون عطوفاً لين القلب فى تعامله مع الناس. - ان يقول للناس قولاً حسناً ولايكن غليظ القلب أو القول. - ان يدرب نفسه على التسامح و الصفح والعفو باستمرار، فهى أهم مفاتيح السعادة والنجاح والصحة النفسية .

240 وتعتبر الاضافات العلمية والاكلينيكية مثل العلاج النفسى الذاتى بالقرآن
وتعتبر الاضافات العلمية والاكلينيكية مثل العلاج النفسى الذاتى بالقرآن .. الخلوة العلاجية والتأمل .. وما تضمنته من اساليب عملية متعددة لتعديل التفكير والسوك .. هى جهد متواضع مخلص يأمل من خلاله ان يساهم فى تخليص العلاج النفسى الدينى والعلاج بالقرآن من براثن الدجل والشعوذة . وان يقدم مجموعة مبسطة من الاساليب العلاجية العصرية النابعة من التراث الدينى والثقافى والتى تناسب الشخصية العربية وتخلصها من الجمود والتمركز حول الذات والوقوع فى اخطاء التفكير والسلوك . ولا شك ان مجتمعاتنا العربية فى أشد الحاجة الى مثل تلك الاساليب العصرية المبسطة فى زمن القلق والتشوش والحيرة .. وفى غياب الجهات التى يمكن أن تأخذ بيد الشباب نحو المزيد من الصحة النفسية والتفكير المنطقى والسلوك السوى ويعلمه فنون ومهارات معالجة مشكلات العصر وتحمل ضغوطه .

241 الإعجاز السلوكي و الأخلاقى في الإسلام
يتضمن القرآن الكثير من الإشارات العلمية و الحقائق التي توصلت إليها بعض العلوم الطبيعية الحديثة في الطبيعة و الكيمياء  و الفلك و الجيولوجيا و الأحياء و البيولوجيا و غيرها من دلائل إعجاز القرآن وأنه من عند خالق هذا الكون و مبدعه , الذي دعا الإنسان للتفكر و التأمل  في كل ما حوله من مخلوقات الله ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق) (العنكبوت)

242 إن الأجدر بالدراسة و الاهتمام هو الإعجاز السلوكي و الأخلاقى فى الإسلام من خلال مقارنة سلوكيات و أفعال الرسول "صلى الله عليه وسلم" و أسلوبه في تعديل سلوك وعادات من حوله طبقاً لمعطيات العلوم السلوكية و علم النفس المعرفي السلوكي الحديث ولأساليبه وميادين تطبيقه , والتحكم فيها و تعديلها نحو خير الفرد و المجتمع , ومن خلال مقارنة ما ورد في القرآن الكريم من نصوص و إشارات و توجيهات لتعديل السلوك الإنساني وما قدمه الرسول- صلى الله عليه و سلم- من نماذج و تطبيقات عملية للسلوك السوي وكيفية ضبطه و تعديله بما توصلت إليه الدراسات الحديثة يدل بصورة قاطعة على أن القرآن ليس من عند محمد  , بل هو من عند الخالق العظيم العالم بالنفس الإنسانية التي خلقها وأبدع صنعها

243 إن سلوكيات الرسول وتعاليمه و إرشاداته والنماذج العملية التي قدمها لتغيير من حوله لا يمكن أن تصدر من شخص عادي نشأ في بيئة فقيرة في كل شئ , لا يعرف الناس فيها حتى آداب الحوار و المخاطبة و  قواعد العلاقات الإنسانية السليمة.

244 الإعجاز السلوكي في شخصية الرسول...
إن التاريخ يشهد  بأن التغيير في سلوكيات و عادات أي مجتمع لا يمكن أن يحدث خلال سنوات قليلة إلا باستخدام الحزم و القوة و العنف الذي قد يصل إلى حد البطش,و الذي قد يظلم و يقهر البعض في سبيل المجموع ..فجميع الثورات التي غيرت المجتمعات في غضون سنوات قليلة تميزت بفرض نظم صارمة تبطش كالإعصار بمن يقف في طريقها.. ولا تفرق ولا تميز بل تفرض النظم و القوانين القاسية علي الجميع بالقوة الغاشمة فيتغير الناس نتيجة الخوف .. أما الإسلام فقد عدل في سلوكيات أفراد المجتمع وعاداتهم بالإقناع والرفق والرحمة فأنصف المظلومين وحرر العبيد المقهورين.

245 لقد كانت بلاد العرب قبل الإسلام موطناً للوثنية و الجمود والقسوة و العنف.. فكيف تغيرت خلال سنوات قليلة في عصر النبوة إلى مجتمع فاضل يلتزم أفراده بسلوكيات متحضرة ؟! وكيف تغيرت سلوكيات وعادات الناس وقتها فتعلموا الضبط الذاتي و تخلصوا من العصبية و الغضب بالحلم و تخلصوا من الحقد و العدوانية وتعلموا الرفق و العفو و الإحسان, و كيف تحول الحرص على جمع المال و النهم و الطمع إلى سخاء و مساعدة الفقير و المحتاج.؟ بل كيف تخلصوا من إدمان الشراب و أسوأ الخصال كالغيبة و النميمة و الرياء و آفات اللسان الأخرى كالسب و الفحش  و السخرية و الاستهزاء بالآخرين .. فكيف تحولت هذه السلوكيات إلى آداب و سلوكيات راقية..لا شك أننا أمام معجزة بكل المقاييس لأنها تمت في سنوات محدودة و على مستوى جماعي لم يحدث ولن يحدث في التاريخ البشري .

246  لقد استطاع الرسول – صلى الله عليه و سلم- تحويل القبائل المتناحرة والجماعات الغوغائية التي تغير على بعضها البعض وتستحل الدم و الحرمات  وتتفاخر بعدوانها و اغتصابها للحقوق .. إلى جماعات متضافرة تلتقي حول أهداف سامية و يحكم علاقاتها نظم و قواعد راقية ومشاعر الحب و العطف و الإحسان. إن أساليب تعديل السلوك التي وردت في التشريع الذي نزل به القرآن وقدمه الرسول في نماذج عمليه تتفق مع أحدث نتائج  أبحاث ودراسات علوم  النفس والسلوك و بيولوجيا الجهاز العصبي في الإنسان .. وهى تمثل إعجاز وتحديًا علميًا وأساسًا لمنهج إسلامي في ضبط وتعديل السلوك البشري.. يمكن الاستفادة العملية منه في العديد من مجالات الصحة النفسية وعلاج المشكلات النفسية و الاجتماعية .. و تطوير المجتمع من خلال إطلاق طاقات العقل البشري المكبل بالقيود و الصراعات و المشكلات النفسية و التي أصبحت كالغراء يلصقنا بالتخلف و الجمود ومن أساليب تعديل السلوك التي وردت في القرآن و السنة و التي تمثل إعجازاً علمياً حيث أنها وردت أيضاً في الأبحاث العلمية الحديثة و دراسات علماء معاصرين..ما يلي:-

247 أولاً: شخصية الرسول و التو كيدية
التو كيدية Assertiveness هي تأكيد الذات و القدرة على التعبير عن المشاعر و الأفكار بدرجة عالية من الصحة النفسية و الفاعلية , ولقد أخذ هذا المفهوم أهميته العلمية بعد دراسات العالم الأمريكي "سالترSalter "  عام 1994 و الذي أكد فيه أهمية التو كيدية ( تأكيد الذات) كخاصية أو سمة شخصية مثلها مثل الانبساطية أو الانطواء . ولقد أشار أيضاً كلاً من " ولبي Wolpe" و"لازاروس lazarus" قبل ذلك بسنوات إلى هذه الخاصية كقدرة يمكن من خلال تدريبها تحقيق درجات أعلى من الصحة النفسية ,ويمكن أيضاٌ من خلال دراستها فهم المشكلات الاجتماعية والنفسية و علاجها, و لذلك اتجه عدد كبير من العلماء إلى ابتكار برامج لتنمية و تدريب هذه القدرة .

248 للتعبير عن النفس و الدفاع عن الحقوق الشخصية للفرد بل إن لها معاني أخرى متعددة منها مهارة التصرف بحكمة وفق ظروف و متطلبات كل موقف  , ويحتاج الشخص الذي يرغب فى اكتساب وممارسة هذه المهارات والقدرات إلى توافر سمات شخصية إيجابية ناتجة – كما يقول دولارد وميللر – عن تعلم طويل الأمد يبدأ منذ الطفولة تقوم به البيئة كارتباطات متكررة بين منبهات واستجابات  تشكل فى النهاية مجموعة من العادات أو الأساليب الاعتيادية للاستجابة التي تعلمها الشخص من المحيطين به ودعمتها البيئة

249 والذي يدرس سلوكيات الرسول- صلى الله عليه و سلم – في المواقف المختلفة يلمس التو كيدية بمفهومها الذي أشارت إليه الدراسات الحديثة حيث تجمع بين المهارات الاجتماعية و الدفاع عن الحقوق بالحكمة و اللين و الرحمة و الموعظة الحسنة, ولكنه لا يجد من علمه ممن يحيط به , ولا يلمح أي أثر للبيئة التي تغرس السلوكيات الإنسانية والسمات الإيجابية الطيبة وترعاها وتدعمها .. فمن الذي علمه إلا الله رب العالمين ؟! ومن أين له بهذه القدرات و المهارات التي لا يمكن أن تنشأ فجأة في مجتمع كانت مهارات أفراده تتركز حول القوة الغاشمة و العدوان على الأخر.. هذا هو الأعجاز أعلى وأرقى درجاته .

250 ومن أسس التو كيدية – كأسلوب للصحة النفسية و السلوك القويم – ما جاء في حديث الرسول – صلى الله عليه و سلم - :"لا يكن أحدكم إمعة , يقول:أنا مع الناس , إن أحسن الناس أحسنت ,    وإن أساؤوا أسأت !!.. .." الحديث "عن الترمذي" فقد جسد الرسول للمسلمين قوة اليقين في شخصه, و روعة الإيمان و الثبات على المبدأ و عدم الخوف من الباطل , و عن ابن عباس عن رسول الله –صلى الله عليه و سلم – " من أسخط الله في رضي الناس سخط الله عليه " الحديث فعلى المسلم أن يتجاهل حماقات الحمقى و أن يستخف بما يلقاه من ظلم و سخرية و استنكار عندما يخرج عن مسيرة الباطل أو يشذ عن  عرف الجهال , و أن يقول رأيه بثبات و لا يخشى فى الله لومه لائم , وأن يمضى إلى غايته بثقة في عون الله و تأييده , لا يخشى من قسوة النقد أو الهمز و اللمز أو تجريح الألسنة مادام على حق .

251 ثانياً: تعديل السلوك بالتأمل و التفكير
من الإعجاز السلوكي في القرآن و السنة أن يتفقا مع أحدث دراسات علم النفس و أبحاث العلاج و تعديل السلوك الإنساني و مع مدارس العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive behavior al therapy) التي أسسها  أرون بيك  Aaron Beck"" و مدرسة العلاج العقلاني Rational Emotive Therapy"  " التي أسسها  ألبرت إليس Albert-Ellis""   ... و غيرها و التي كشفت و فندت الكثير من الافتراضات الخاطئة للتحليل النفسي التقليدي و المدارس التابعة له.. و جميع هذه الاتجاهات الحديثة تعتمد في تعديل سلوك الفرد على تعديل التفكير و المفاهيم و التصورات السلبية الخاطئة.

252

253 ويرى عالم النفس " كانفرKanfer "  ومن جامعة إلينوي بأن فاعلية العلاج النفسي و تعديل سلوك الإنسان يعتمد في الأساس على عوامل ذات طابع ذهني و فكري , و قد أكد   ولبي   "Wolpe" أن التغيرات الايجابية في السلوك تحدث نتيجة تأكيد الذات و أنها تشمل ضمناً تغير في طريقة تفكير الفرد و في تقديره للأشياء , و أن مخاوف الفرد تكون في كثير من الأحيان مبالغات و تشويه للواقع و يحدد الرسم التخطيطي التالي العلاقة بين التفكير و الانفعال و السلوك و أنها علاقة دائرية متصلة يدخل فيها الدوائر العصبية التي تتحكم في النشاط العصبي و الهرموني للجسم ولقد حرص القرآن الكريم على دعوة الإنسان للتفكر و التدبر و التأمل و التعلم و قد اتبع الرسول في كل مواقفه هذا المنهج و جسده فكراً و عملاً.

254 فالقرآن الكريم بدأ آياته بدعوة الإنسان للتعلم " أقرأ" و كرر توصية الإنسان بالتفكر " أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات و الأرض وما بينهما إلا بالحق و أجل مسمى"(الروم).. "و في أنفسكم أفلا تبصرون"..! ولقد كان أول شئ علمه الله تعالى لأدم عليه السلام هو أسماء جميع الأشياء " وعلم أدم الأشياء كلها"و تؤكد الدراسات الحديثة أن تعلم أسماء الأشياء هو تعلم المفاهيم و الرموز و القدرة على التفكير التجريدي و هي أهم خطوات تعلم التفكير التي تساعد على التحليل و التركيب و المقارنة و التمييز واتخاذ القرارات وحل المشكلات

255 ثالثا: النمذجة و المحاكاة
أستخدم الرسول –صلى الله عليه و سلم – أسلوب تقديم نماذج سلوكية تطبيقية في مواقف حية overt modeling ( وربما كان هذا من أحد أباب نزول القرآن منجماً حسب الأحداث و المواقف) والتي تمثل أفضل أساليب التعلم و أكثرها تأثيراً , فقد قدم القدوة و عرض طريقه و أسلوب السلوك الصحيح في كل موقف من المواقف , و استعان بالتصوير و التجسيد و تنشيط المخيلة و القدرة على التوقع و التصور , كما استعان بالقصص و الأمثال و تجسيد المشاهد و تقديم البيانات اللفظية و العملية ليشرح المواقف التعليمية التي تسهل عمليات التعلم و تساعد الإنسان على تغيير تصرفاته و التغلب على العادات و السلوكيات السلبية. ولقد أتاح ذلك للمسلمين التعلم بالملاحظة كأحد أهم وأحدث أساليب التعلم وتعديل السلوك والتي وردت في دراسات العديد من العلماء المعاصرين و منهم أ لبرت باندوراAlbert Bandora " "    و في أبحاث أصحاب نظرية التعلم الاجتماعي Social (observational) learning.

256 العلاج النفسي الذاتي بالقرآن

257 منذ أكثر من عشرة سنوات. وبعد صدور كتاب "وداعاً للقلق
منذ أكثر من عشرة سنوات.. وبعد صدور كتاب "وداعاً للقلق.. بالعلاج النفسى الذاتى".. متضمنا أحدث أساليب العلاج النفسى الذاتى التى ابتكرها وطورها مجموعة من كبار علماء النفس والعلاج النفسى حتى أصبحت هذه مدارس وأساليب واسعة الانتشار فى أمريكا والعديد من الدول الغربية.. إن حاجة الإنسان العربي والمسلم فى هذا العصر الملىء بالصراعات والاضطرابات إلى طرق وأساليب فى العلاج النفسى الذاتى تمكنه من علاج مشكلاته النفسية التى دون الحاجة للذهاب إلى الطبيب النفسى، وأيضا كأساليب مساندة للعلاج الدوائى (بالعقاقير) الذى يصفه الطبيب .. خاصة اذا كان الطبيب لايعطى مريضه الوقت الكافى للمناقشة والحوار وفهم صراعاته ومشكلاته وآفكاره وأنفعالاته.

258 بالفعل كانت مسئولية ضخمة أن ابحث عن أساليب علاجية جديدة ومبتكرة
بالفعل كانت مسئولية ضخمة أن ابحث عن أساليب علاجية جديدة ومبتكرة.. نابعة من القرآن الكريم وأخرى من السنة المطهرة ،ووضعها فى إطار عصرى وبمنهج علمى حديث يعالج مشكلات الإنسان النفسية التى يعانى منها الفرد فى هذا العصر ,بلغته وأدواته) وبطريقة مبسطة يسهل لأى شخص ان يستخدمها للتخلص من اضطراب أو مشكلة أو مرض نفسى، وباتباع المنهج العلمى فى التجريب وتشخيص المرض وفق أحدث مناهج التشخيص , ثم إختيار العلاج ومقارنته بأساليب علاجية أخرى , وبعد التطبيق تم قياس النتائج باختبارات علمية مقننة، وفى حالات كثيرة تمت إعادة التجربة على عينات مختلفة من المرضى الذين تم اختيارهم بطريقة عشوائية.  

259 وبالفعل أجريت سلسلة من الدراسات العملية للاستفادة من القرآن الكريم فى علاج عدة أمراض ومشكلات نفسية مختلفة مثل القلق، والخوف، والوسواس القهرى وخلافه. وكانت النتائج فى 80% من الحالات تفوق نتائج العلاج النفسى بأساليب ومدارس غربية. لقد أكدت هذه الدراسات قوة الجانب الدينى فى الشخصية العربية.. وان الكثيرين يلجأون إليه بدون أى توجيه فى لحظات الشدة والألم النفسى. ان الشخصية العربية تميل إلى الاسلوب الذى تتبعه مدارس العلاج المعرفى "لآرون بيك" والعلاج العقلانى "لألبرت إليس" .

260 لأنها تلجأ إلى العلاج عن طريق مخاطبة العقل الواعى وتعديل التفكير من خلال المناقشة المنطقية ودحض الأفكار الانهزامية الخاطئة وغير المنطقية وعدم الخوض فى العقد الجنسية واللاشعور وخلافه .. وهذا الأسلوب يتوافق تماماً مع أسلوب القرآن الكريم فى علاج النفس وتصحيح إنحرافها. وكثيراً ما شاهدنا بعض المرضى العرب يرفضون إكمال العلاج بالتحليل النفسى أو بالأساليب المماثلة له لانها تضعهم فى صراع مع الذات ومع المجتمع، لانها بشكل مباشر أو غير مباشر تدفع المريض إلى إشباع رغباته وغرائزه بدون أن تحدد له الطريقة المناسبة لمفاهيم وقيم المجتمع، كما أنها تهمل مناقشة الأفكار والمشكلات الحالية للمريض. وإذا كان البعض يدعى ان الطب النفسى وعلم النفس لاعلاقة لهما بالدين، فأننا نؤكد خطأ هذا الادعاء وعدم صحته تماماً خاصة فيما يتعلق بجزئية العلاج النفسى حيث تصبح القضية هى تعديل اعتقادات وافكار ومفاهيم مرتبطة أشد الارتباط بالأخلاق والعادات والدين. لقد اعتمد العلاج النفسى على مر العصور على الدين واستعان به لمساعدة الانسان على مواجهة لحظات الهزيمة والألم واليأس ،

261 وان إساءة استخدام البعض لهذه الجوانب المشرقة فى حياة البشر لا يجعلنا نرفضها أو ندير ظهرنا لها. ان تجاهل الحضارة الغربية لأهمية الجوانب الروحية والدينية وضعها الآن فى مأزق وهى تكتشف كل يوم آثار الأيمان والاعتقاد فى النشاط النفسى والذهنى بل وفى تغيير بيولوجيا الجهاز العصبى وكافة أجهزة الجسم، وعلى سبيل المثال فقد تم التأكد بصورة جازمة على ازدياد قدرة جهاز المناعة على قهر الأمراض المختلفة, حتى تلك الأمراض الخبيثة, عندما ينجح الأنسان فى توظيف طاقات الأيمان الهائلة الموجودة داخله.

262 ولقد أدرك عالم النفس الأمريكى وليم جيمس William James أهمية الأيمان للأنسان لتحقيق التوازن النفسى ومقاومة القلق , أما عالم النفس الأشهر كارل يونج Carl Jung فقد قال : " لم أجد مريضاٌ واحداٌ من مرضاى الذين الذين كانوا فى المنتصف الثانى من العمر , من لم تكن مشكلته الأساسية هى إفتقاره الى وجهة نظر دينية فى الحية " . ولقد أكدت عدة دراسات نشرت فى الغرب ,وتنطبق علينا أيضاٌ , عدم أهتمام الأطباء والمعالجين النفسيين بالدين ومبادئه السمحة فى الأستقامة والأحسان والتسامح , ودورها فى الصحة النفسية للفرد ,

263 وهذه الأساليب يمكن الاستفادة منها بواسطة الشخص المتخصص أو غير المتخصص
وهذه الأساليب يمكن الاستفادة منها بواسطة الشخص المتخصص أو غير المتخصص .. كما يمكن استخدامها بمفردها أو مع الدواء الذى نحرص دائما ان يكون تحت أشراف الطبيب المتخصص.. ويمكن أستخدامها أيضا مع أساليب علاج نفسى أخرى لتعديل جوانب محدده من الشخصية والسلوك . لقد تأكد أن اكثر العلاجات النفسية فائدة وتأثيراً، هى ما أرتبط منها بالدين والثقافة والبيئة..

264 ويؤكد لانرت Lannert, J. (1991) أ ن فى دراسته الشهيرة التى نشرت فى مجلة علم النفس الإنسانى أن نسبة كبيرة من الأطباء والمعالجين النفسيين لا يتلقون تعليماٌ أو تدريباٌ كافياٌ عن الدين وأثره فى الصحة النفسية والعلاج النفسى , وقد شكلت الجمعية الأمريكية للطب النفسى فريقا من الباحثين Task Force لدراسة الجوانب الدينية والروحية وآثارها على الصحة النفسية وتخصيص موضع لها V Code فى الدليل الأحصائى للأمراض النفسية DSM – IV , مما يشكل دافعاٌ آخر لنا للأهتمام بالعلاج النفسى الدينى وتطويره خاصة مع ضعف النتائج والفشل فى علاج بعض الأمراض النفسية والأدمان فى المنطقة العربية والتى أكدتها أكثر من دراسة من منظمة الصحة العالمية WHO وغيرها . نقدم هذه المجموعة من أساليب العلاج النفسى الذاتى الدينى التى تستند إلى آيات عظيمة من القرآن الكريم وتطبيقات عملبة وسلوكية ونماذج حية قدمها الرسول –صلى الله عليه وسلم - ومن خلال عدة أساليب علاجية تختلف تماماً عما هو شائع من طرق العلاج بالقرآن..

265 ولقد لوحظ من خلال الممارسات الأكلينيكية الطويلة ان بعض المرضى يعالجون أنفسهم ذاتيا بقراءة القرآن بعمق وخشوع وتأمل لمعانيه , وأنهم ينجحون غالباً فى خفض درجة توترهم والتغلب على مشاعر الخوف والقلق والوساوس التى تسيطر على أذهانهم بدرجة كبيرة تساند العلاج الدوائى وأساليب العلاج الأخرى . ولقد شجعنى هذا على الاستفادة من العلاج بالقرآن بإبتكار أساليب علمية تستند إلى ما تدعو إليه بعض الآيات مع طريقة عملية تقوم على التجريب والقياس العلمى المنضبط للعلاج بالقرآن .. بصورة ذاتية.. يمارسها الشخص بنفسه بعد ان يشرحها له الطبيب المعالج ويدربه عليها.. او بعد أن يطلع الشخص بنفسه عليها ويفهمها جيداً..

266 والعلاج النفسى من خلال الدين موجود فى الغرب من قديم الآزل على يد "أب الاعتراف" الذى كان يسمح للمريض بالتنفيس عن همومه وآلامه.. والتطهر من مشاعر الذنب.. والتخفف من وطأة الصراع النفسى.. وبالطبع فان ذلك يضعنا أمام مسئوليتنا وضرورة إبتكار وتطوير أساليب للعلاج النفسى مستمدة من ديننا الحنيف.. وهو ثرى بإرشاداته وتوجيهاته فى التعامل مع النفس الإنسانية.. وكيفية تعديل مواطن الضعف والمرض والاعوجاج فيها. ولأن المرض النفسى عمله ذات وجهين أحدهما نفسى معنوى أخلاقى والأخر بيولوجى جسمانى فان العلاج يجب ان يكون متكاملاً يعالج آلام النفس بالكلمة والمناقشة وتعديل التفكير والسلوك.. ويعالج الجسم الذى أختلت وظائفه بالدواء0

267 مما يؤكد أهمية الدمج بين العلاج بالعقاقير والأدوية والعلاج النفسى والدينى فى علاج تكاملى شامل . ويرى "جلاسر" وهو رائد مدرسة العلاج بالواقع.. ان الصحة النفسية ترتبط باخلاقيات الفرد وبالقيم والمفاهيم التى يتبناها.. اكثر من ارتباطها بأشباع الغرائز.. وان الصحة النفسية هى السلوك السوى الذى يمكن الفرد من إشباع حاجاته فى اطار الواقع مع مراعاة حقوق الآخرين والمجتمع.. ويؤكد "جلاسر" على ضرورة وجود علاقة إنسانية قوية صادقة بين الطبيب المعالج والمريض.. وليست بالطبع مثل تلك العلاقة العابرة التى يصف فيها الطبيب الدواء للمريض ويكتفى بذلك. وهكذا لم نبعد كثيراً عما جاء به القرآن منذ مئات السنين! "وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين ولايزيد الظالمين إلاخساراً” . (الاسراء) وأساليب العلاج النفسى الذاتى الدينى التي اختبرها الباحث وقدمها في عدد من الدراسات والأبحاث في مؤتمرات دولية متعددة , نستعرض منها ما يلي : 

268 1-أسلوب: أستبصار النفس بالملاحظة
2-أسلوب: العلاج بتأمل ذكر الله 3-أسلوب: تزكية السمات والصفات الإيجابية . 4-تطبيق منهج الرسول ـ ص ـ في تعديل السلوك ( باستخدام أسلوب النمذجة "تقديم نماذج عملية", القصص، الأمثال، مهارات التواصل ) البيانات العملية وكذلك أسلوب التدعيم والمكافأة . 5-الخلوة العلاجية والتأمل 6-الضبط الذاتي : التعلم والتحلم وعلاج الغضب ( القوة النفسية ) 7-أسلوب التشبع بالرضا.

269 . وهذه الاساليب لاتتعارض - بل تكمل- دور ووظيفة العلاج الدوائى الذى يصفه الطبيب المتخصص.. وهى تهدف إلى تنمية الوظائف الذهنية والمعرفية 0 وقد حقق أستخدام هذه الأساليب نتائج ممتازة وملحوظة فى العديد من المشكلات والاضطرابات النفسية ولقد كان للمريض - فى أغلب الحالات – الدور الرئيسى فى تحمل مسئولية العلاج وتنفيذ خطواته , و هو الذى يقرأ القرآن ويردد الآيات المحددة .. اللهم إلا فى حالات قليلة التى كان يسمح فيها لبعض الأقارب أوالأصدقاء بالجلوس مع المريض ومساعدته 0 ويجب ان نحذر هنا من التطرف والمغالاة فى الجوانب الدينية والعقائدية .. حيث ثبت - بما لايدع مجالاً للشك - الاثر السلبى للتعصب والتطرف على سلامة التفكير وعملياته المختلفة00 وضرورة إدراك أن العلاج الدينى يقوم فى الأساس على تنمية وغرس القد رة على التسامح وقبول الآخر والتوافق مع المجتمع 0

270 العلاج بتأمل ذكر الله : أظهرت الدراسات النفسية التأثير المباشر لذكر الله وتأمل معاني القرآن على عمليات التفكير بدرجة يمكن الاستفادة منها فى العلاج النفسي. وفى الغرب ظهرت فى الآونة الأخيرة عدة دراسات تؤكد دور التفكير والعوامل الذهنية المختلفة فى الاضطرابات النفسية وتدحض وتفند فى نفس الوقت آراء التحليل النفسي والنظريات المماثلة التى ربطت شخصية الفرد وسلوكه بأحداث الطفولة، والعقد الجنسية واللاشعور ودرجة إشباع الغرائز وغيرها. لقد أيدت دراسات حديثة وتجارب علماء معاصرين إمكانية تعديل أفكار ومفاهيم الفرد وسلوكه ، والتحكم فى عمليات التفكير أثناء حدوثها بالإيقاف أو طرد الأفكار غير المرغوبة ، مع غرس أفكار أو عبارات تحل محل الأفكار الانهزامية أو المرضية غير المرغوبة. أيضا أثبتت التجارب "دولارد" و"ميللر" أن الاستجابة الانفعالية للشخص تتوقف على استخدام اللغة والاستدلال الرمزي.. وعلى المعاني الذى يقولها الفرد لنفسه ويقتنع بها. ويرى عالم النفس "كانفر" بأن فاعلية الأنماط الرئيسية فى العلاج النفسي الحديث تعود إلى طريقة وأسلوب التفكير، وقناعة المريض بمعاني ومعتقدات معينة، مما يؤثر بالتالي على إدراك المريض للواقع إن كان محايداً أو يحمل فى طياته عناصر تهديد وخطر.

271 كما وصف "ماهونى" من كمبريدج أهمية عدد من التجارب التى ابتكرها بعض تلاميذ العالم "بافلوف" حول ارتباط الاستجابات الانفعالية للفرد بما يفكر فيه ويركز ذهنه عليه. أى أن الشخص يمكن أن يستثير نفسه انفعالياً فيشعر بالتوتر والقلق والخوف ، أو يبث الطمأنينة فى نفسه بان يركز تفكيره ويردد لنفسه عبارات ومعاني تحض على ذلك، وعلى سبيل المثال إذا ردد الشخص عبارة مثل (اننى سأنجح فى إنجاز ذلك العمل وان إرادتي قوية لا تلين)

272 فان حالته الانفعالية والمزاجية تتحول إلى الأفضل بما يساعد على إنجاز العمل بالفعل، وينجح الجسم فى شحذ كافة قدراته البيولوجية والنفسية فى هذا الاتجاه.. بعكس إذا قال الفرد لنفسه (أنني سأفشل، فأنا ضعيف الإرادة ولا أستطيع إنجاز هذا العمل).. ففي مثل تلك الحالة ينخفض أداؤه وتنخفض أيضاً قدراته البيولوجية والنفسية بحيث يهزم نفسه بالفعل ويفشل حسب ما توقع.. وحسب ما أعد نفسه.  نلاحظ هنا أن التفكير والإيحاء الذاتي يحركان قدرات الفرد، ويؤثران فى توقعاته وانفعالاته وسلوكه. وعلى سبيل المثال فان الشخص المكتئب إذا أوحى لنفسه بشيء من الأمل من خلال تكرار وترديد فكره أو عبارة توحي بالتفاؤل فإن الاكتئاب يقل بصورة ملحوظة. أى أن تغيير أو تعديل أفكار الفرد يؤدى بالتالي إلى تغيير وتعديل السلوك والانفعال. كذلك فان كل سلوك يصاحبه أفكار وانفعالات معينة .. فمثلاً إذا كان الإنسان يمارس الجنس فانه لا يستطيع أن يفكر فى شيء محزن أو مفرح بل لابد وان يوظف أفكاره وتخيلاته وانفعالاته فيما يمارسه.. وإذا كان الإنسان حزينا فلا يستطيع أن يفكر فى أمر مضحك.. لذلك فإن تعديل التفكير يترتب عليه بالتالي تعديل الانفعال والسلوك.. وأنه يمكننا أن نستخدم تلك القاعدة فى العلاج. ولقد تأكد - كما ذكرنا - إمكانية غرس وإحلال معاني وأفكار محل أخرى..

273 وهذا يعنى القدرة على تعديل السلوك والانفعال
وهذا يعنى القدرة على تعديل السلوك والانفعال .. بل والنشاط العصبي والهرموني للجسم بمجرد تعديل التفكير , مع التركيز على فكرة أو عبارة وتكرارها ، وكلما كانت الكلمات التى يرددها الفرد ذات معان سامية و مصداقية دينية راسخة – و هذا ما يحدث فى حالة ذكر الله – كلما أستطاع التحكم فى نشاطه الذهني , وكلما كان أقدر على التخلص من الأفكار السلبية والانهزامية ومن المخاوف والواسوس المسببة للتوتر والمرض النفسي خاصة إذا صاحب تكرار وترديد هذه الأذكار تأمل لمعنى كلماتها وتخيل للأماكن المقدسة أو السماء والبحر الممتد بلا نهاية شاهداٌ على قدرة وعظمة الخالق .. جل جلاله.

274 . ويجدر أن نستعرض أخطاء التفكير الشائعة التى تؤدى إلى أغلب الاضطرابات النفسية , والتي يمكن للعلاج بتأمل ذكر الله مساعدة الشخص على طردها من الذهن أو إعاقة تأثيرها السلبي أو إيقافها أو إبدالها بأخرى ايجابية .. كالآتي: أخطاء متعلقة بمحتوى الأفكار والمفاهيم والمعتقدات : الأول:أخطاء تتعلق بأسلوب وطريقة التفكير.الثاني: الأخطاء المتعلقة بمحتوى الأفكار والمفاهيم:وتشمل أخطاء محتوى التفكير الكثير من المعتقدات والمفاهيم والأفكار الخاطئة ووجهات النظر غير المنطقية أو المبالغ فيها، وكذلك التصورات الخاطئة والاتجاهات المريضة التى تنتهي بهزيمة الفرد فى مواجهة مواقف الحياة المختلفة. مثل أن يعتقد الفرد أنه أفضل من الآخرين ويجب أن يحترمه الجميع، أو أن يعتقد انه مضطهد من الجميع لأنه فقير أو من أسرة غير معروفة، أو يعتقد أن جميع النساء يجب أن يعاملن بالقسوة، أو مثل المرأة التى تعتقد أن جميع الرجال خائنين ولا أمان لهم.. الخ.

275 ثانياً: الأخطاء المتعلقة بأسلوب وطريقة التفكير:
التطرف فى الأحكام: حيث يرى الفرد الأشياء إما سوداء أو بيضاء، وهو يكره ويحب دون توسط أو اعتدال. التصلب، ومواجهة المواقف المختلفة المتنوعة بطريقة تفكير واحدة المبالغة، مثل المبالغة فى تفسير الموقف مما يؤدى إلى إثارة انفعالات القلق أو الخوف، وكذلك المبالغة فى تقدير الآخرين سلباً أو إيجاباً مما يؤدى إلى اضطراب العلاقة بهم التعميم: وهو أسلوب من التفكير يؤدى تعميم الخبرات الجزئية تعميماً سلبياً مما يؤدى بالتالي إلى العديد من الأنماط المرضية خاصة الاكتتاب والفصام. الثنائية والازدواجية: وهى جزء من معاناة الشخصية المتسلطة ضيقة الأفق التى تفتقد إلى المرونة، لذا تضطر دائماً أن تمارس دوراً فى العلن وتتبنى عكسه فى الخفاء. التجريد الانتقائي: حيث يعزل الفرد خاصية معينة من سياقها ويؤكدها فى سياق آخر مثل الذى يؤكد على أنه غير مرغوب فيه من الجميع إذا لم يرحب به أحد الحاضرين.

276 7. أخطاء الحكم والاستنتاج : الحساسية للنقد وتضخيم المواقف والأحداث
7. أخطاء الحكم والاستنتاج : الحساسية للنقد وتضخيم المواقف والأحداث. ويؤكد أغلب الباحثين أن استمرار التفكير والتخيل بطريقة خاطئة بتحول إلى عادة مرضية يفقد معها الفرد إدراكه الموضوعي للواقع وتقييمه الصحيح للذات، وإلى اعتياد المبالغات الانفعالية مع توقع الخطر من مثيرات لا تتضمن أى تهديد للذات، وينتج عن تبنى أساليب التفكير الخاطئة هذه انفعالات ومشاعر سلبية عديدة (كالخوف، التوتر، الحزن( وأخطاء التفكير المذكورة إذا تزايدت تسببت فى تشويه صورة الذات والواقع وحركت وجدان الفرد وانفعالاته وسلوكه فى الاتجاه المرضى.. وإذا أستمر هذا التزايد فى تشويه وتحريف الواقع تحولت هذه الأفكار إلى ضلالات وهذاءات يصعب مناقشتها أو تعديلها بالمنطق.

277 ومن العوامل التى تساعد على تحول أخطاء التفكير إلى أعراض مرضية التربية التى تعتمد على التمركز حول الذات والعجز عن فهم الآخر والتعاطف معه، وما يترتب على ذلك من ريبة وشك وسوء تفسير كل موقف يتفاعل فيه الفرد مع الآخرين. وأسلوب "العلاج بتأمل ذكر الله" .. تقوم فكرته على تدريب المريض أو صاحب المشكلة على التحكم فى عمليات التفكير وتنمية قدراته على طرد وإيقاف الأفكار الهدامة السلبية ، بغرس آيات القرآن والأذكار لتحل محل أو تطرد أو توقف الافكار المرضية السلبية، وذلك فى جو يسمح بالتأمل الذهني والتخيل الإيجابي والتحكم فى درجة الوعي وعمليات التفكير المختلفة .

278 وقد رأينا كيف أن العديد من مدارس العلاج النفسي الناجحة والمنتشرة فى العالم الآن تضع برنامجا تهدف إلى علاج الفرد من خلال تعديل تفكيره وتنمية قدرته على الضبط الذاتي وإيقاف سلسلة الأفكار الاقتحامية السلبية التى تثير مراكز الانفعال، بالاستعانة بعدة طرق مثل تكرار عبارات تساعد على الإيحاء الذاتي أو كأن يقوم المريض بتوجيه انتباهه لمثير آخر.. وتتم عملية تدريب المرضى وأصحاب المشاكل النفسية على التحكم فى أذهانهم وطرد الأفكار الانهزامية الحزينة أو المخيفة وإيقاف الوساوس المزعجة من خلال تأمل ذكر الله.. اى ترديد وتكرار الآيات والأذكار والشخص فى حالة تأمل واستغراق ذهني عميق يساعد على غرس معاني ذكر الله ويشبع العقل بكل كلمة تذكر الله وقدرته على المساعدة والعون. بل ويشبع العقل إلى حد تعطيل كل الدوائر الذهنية الأخرى المحملة بأفكار وتصورات سلبية هدامة. ولقد أكد ظهور موجات ألفا فى تخطيط الدماغ لبعض المرضى الذين مارسوا العلاج النفسي الذاتي بالقرآن مع التغيرات الايجابية الأخرى مثل انخفاض سرعة التنفس وضغط الدم وتناقص سرعة ضربات القلب إلى فعالية هذا الأسلوب العلاجي نفسيا بيولوجيا. إلا أن هذا الجانب التجريبي قد توقف لعدم توافر الإمكانيات.

279 خطوات استخدام أسلوب تأمل ذكر الله:
يجب أن يتبع الفرد الخطوات التالية التى تساعد على التهيؤ والتأمل الذهني للتأثير الفعال على درجة الوعي وعمليات التفكير حتى يتمكن من إيقاف وطرد الأفكار والتصورات السلبية والتخلص منها، ويفضل البدء بتسجيل الانفعالات والأفكار فى الجدول التالي قبل ممارسة التدريب.. وان يتبع الخطوات التالية: أن يمارسه فى مكان هادئ .. مريح.. خال من الإزعاج والمؤثرات المشتتة للانتباه. أن يمارسه وهو جالس على مقعد مريح منتصب الظهر.. ويفضل أن تتكرر الممارسة فى نفس المكان.- أن يجعل الضوء خافت نوعاً .. وجو الحجرة معتدل الحرارة. أن يضع ساعة أو منبه أمامه. يمكن استخدام بخور خفيف إذا أراد الشخص ذلك. أن يفصل الحرارة عن التليفون. أن يرتدى ملابس خفيفة غير ضيقة لتمكنه من الاسترخاء. أن يتنفس بانتظام وعمق وبطء.. وأن يلاحظ تنفسه الهادئ العميق. أن يغلق عينيه خاصة خلال الدقائق الخمس الأولى على أن تتجه العين وهى مغلقة إلى الأمام ويمكن إن يفتحها بعد ذلك مع تركيز النظر على هدف ثابت لا يثير الانتباه. أن يمنع العقل من الشرود والتفكير فى أى موضوع أو مشكلة.. بان يركز فى البداية على ملاحظة جسده المسترخي وأنفاسه المنتظمة.. والهواء يدخل ويخرج من انفه ورئتيه ببطء وعمق.

280 بعد ذلك يبدأ فى ترديد وتكرار كلمات "ذكر الله" أو تكرار آيات قصيرة أو آية الكرسي بعمق بحيث يتردد صداها فى أركان نفسه وكيانه.. وأن يشبع عقله بها وان يطرد من ذهنه أى فكرة أخرى فور ظهورها فى حيز الوعي.. ولا يعطى ذهنه أو تفكيره أى فرصة للشرود بعيداً.. وان يكون على يقين بأنه يقوم بطرد الأفكار السلبية السيئة من ذهنه الآن مستعينا بهذه الآيات الكريمة والأذكار المطهرة. يستمر هذا التدريب من دقيقة أو أكثر ..

281 . ولقد نجح بعض المرضى فى الاكتفاء باستخدام بعض خطوات هذا الأسلوب وهذا الأمر ممكن خاصة إذا كان الشخص ليس لديه الصبر أو القدرة على الكتابة والمتابعة . وذكر الله - كما ورد فى العديد من معاجم الألفاظ والتفسيرات - هو "إقرار باللسان، وتصديق بالقلب"، أى أنه ترديد وتكرار مع تركيز ذهني يوقظ المشاعر ويحرك القلب، وبالتالي يمكن أن يؤثر فى محتوى وتيار التفكير ويساعد فى إيقاف وطرد الأفكار والتصورات المشوهة والانهزامية المسببة للمرض والاضطراب النفسي وهذا ما تأكد لنا من خلال تجريب إكلينيكي وعملي تم على مدار سنوات من البحث والدراسة. وفى فضيلة الذكر وردت العديد من الآيات الكريمة مثل: ألا بذكر الله تطمئن القلوب" (سورة الرعد ( "فاذكروني أذكركم"( سورة البقرة) أذكروا الله ذكراً كثيرا(ً"سورة الأحزاب):41فاذكروا الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبكم) سورة النساء): وتأمل معاني ذكر الله - كما ذكرنا - هو أن تركيز الإنسان لا يجب أن ينحصر فى الترديد الآلي بالتكرار وإنما التركيز المتأمل فى معنى كل كلمة وكل لفظ يصف قدرات الله عز وجل أى أن يشعر الإنسان بكل كيانه بدلالة وأهمية كل لفظ يردده عن الله سبحانه وتعالى،

282 فذكر الله يرتبط على الدوام بحضور القلب والمشاعر، أما الذكر باللسان والقلب لاه أى أن ذهن الفرد مشغول بهموم ومشاكل الحياة وبدون تركيز وتأمل فهو قليل الجدوى. وذكر الله يتضمن ترديد عبارات "سبحان الله"، "الله اكبر"، "لا اله إلا الله" "الحمد لله" ، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ، "أعوذ بالله من الخبث والخبائث".. الخ أو ذكر نعم الله ومحبته والشوق إليه كذلك ذكر أسماء الله الحسنى وترديدها. وفى حالات أخرى تمت الاستعانة بقراءة المعوذتين أو آية الكرسي عدة مرات لإيقاف وطرد الأفكار والوساوس غير المرغوبة بنجاح أو التعوذ بالله من الشيطان ومن الخبث والخبائث. ومن حديث معاذ بن جبل قال: "آخر كلمة فارقت عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، قلت: "يا رسول الله أخبرني بأحب الأعمال إلى الله عز وجل"، قال: "أن تموت ولسانك رطب بذكر الله عز وجل". ومن الأذكار التى وردت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم – ما يلي: "أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق". رواه مسلم. "بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شيء فى الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم". "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام" "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". "لا حول ولا قوة إلا بالله".

283 أما نص آية الكرسي : "الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما فى السماوات وما فى الأرض من ذا الذى يشفع عنده إلا بأذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤده حفظهما وهو العلى العظيم" صدق الله العظيم. "*****ويستخدم هذا الأسلوب فى إيقاف وطرد المخاوف والمفاهيم والتصورات والأفكار السلبية المخيفة أو المتشائمة أو الانهزامية التى تتسبب فى إثارة مراكز الانفعال بدرجة تؤدى إلى التوتر أو القلق أو الاكتئاب أو الوسواس القهري .. وغيرها.

284 كذلك فقد تكون الافكار السلبية غير واضحة فى ذهن الفرد
كذلك فقد تكون الافكار السلبية غير واضحة فى ذهن الفرد.. فقد تظهر فى حيز الوعي على شكل تصورات أو تخيلات مخيفة أو مزعجه أو على صورة توقعات مقبضه غير مكتملة الملامح والتفاصيل. وللتخلص من جميع تلك العوامل الذهنية من أفكار وتوقعات وتصورات غير مرغوبة.. نستخدم أسلوب تأمل ذكر الله تبعا للخطوات المذكورة مصحوبا باستخدام الجدول الذى ينظم استخدام هذا الأسلوب ويزيد من فعاليته إلى جانب ما يكتسبه الفرد من استبصار ووعى بالانفعالات والأفكار السلبية التى يعانى منها. هذا إلى جانب الارتباط الشرطي الذى يحصله الفرد عندما يلاحظ ويقيم درجة التحسن كل مرة من تأمله لذكر الله. علما بان بعض المرضى كانوا يفضلون استخدام الأسلوب بدون إتباع خطواته وبدون كتابة الملاحظات فى جداول لأسباب تتعلق بهم..

285 وقد حققوا رغم ذلك نتائج طيبة ولكن درجتها ومدة استمراريتها كانت أقصر نوعاً من هؤلاء الذين استخدموا الجداول بانتظام واتبعوا الخطوات المذكورة. وخطوات استخدام الجدول كالآتي:يمكن استخدام الجدول فى أى وقت من اليوم وان كان يفضل أن يكون عقب شعور الفرد بانفعالات أو أفكار سلبية غير مرغوبة.. كما يستخدم قبل ممارسة جلسة العلاج بتأمل ذكر الله حسب الخطوات المذكورة من قبل. تستخدم الخانة الأولى لتحديد اليوم والتاريخ والوقت. تستخدم الخانتين الثانية والثالثة لتحديد الانفعالات السلبية والأفكار الانهزامية ودرجة شدتهما (من صفر إلى 10 درجات) . الخانات السابقة يتم تسجيل البيانات الخاصة بها قبل بدء جلسة العلاج بتأمل ذكر الله. الخانة الرابعة يسجل الفرد فيها نص الآيات أو الأذكار التى رددها والمدة التى أستغرقها، علما بأن البعض يحتاج لفترة تزيد عن النصف ساعة. الخانة الخامسة والأخيرة تستخدم بعد انتهاء الجلسة ويسجل الفرد فيها مقدار انخفاض حدة الانفعالات التى كان يعانى منها قبل جلسة العلاج (من صفر إلى 10 درجات( .

286 يستخدم هذا الجدول بعد استخدام أسلوب الاستبصار بملاحظة الذات بأسبوعين
يستخدم هذا الجدول بعد استخدام أسلوب الاستبصار بملاحظة الذات بأسبوعين . كما يمكن البدء باستخدام أسلوب تأمل ذكر الله مباشرة. ولمدة لا تقل عن ثلاثة شهور. أما عن شدة الصوت فإن مريض الاكتئاب والحزن يحتاج أن يردد الأذكار أو الآيات المختارة بصوت قوى ومرتفع نوعاً ينبه جهازه العصبي و دافعيته وحماسه أما مريض القلق والتوتر والخوف فإنه يحتاج للترديد بصوت بطيء عميق هادئ.. مع إيقاع منتظم واثق يؤكد من خلاله ذاته وثقته بالله وبنفسه. وإذا كان الفرد ممن يستطيعون التحكم فى درجة الانتباه والتركيز لما يردده من آيات أو أذكار فانه يستطيع ممارسة العلاج بتأمل ذكر الله فى أى مكان و بدون التقيد بالخطوات المذكورة.. ولكن ليس أثناء قيادة السيارات أو الوقوف أمام آلات أو أجهزة تتطلب الانتباه والتركيز.

287 أساليب ضبط النفس والتحكم في الانفعالات
عندما يواجه الإنسان شيئاً يمنعه من الوصول إلى هدفه أو تحقيق ما يرغبه أو يعترض مسيرته نحو تحقيق أحلامه وأمانيه .. فإنه يشعر بوجود مشكله أو عائق يسبب له التوتر والإحباط , وعندما يتزايد التنافس والتزاحم والصراع وتسيطر المفاهيم والقيم المادية وتتراجع القيم الروحية والدينية والأخلاقية .. تتضاعف متاعب الناس ويتزايد العدوان المتبادل والمشاحنات .. ويسقط الناس همومهم على بعض.. وتكون هناك حاجة ملحة لتعلم أساليب ضبط النفس والتحكم في الانفعالات والتزود بمهارات حل المشكلات والتفاوض.

288 وتمثل الخلوة العلاجية أحد طرق الضبط الذاتي والسيطرة على النفس
وتمثل الخلوة العلاجية أحد طرق الضبط الذاتي والسيطرة على النفس .. و اكتساب الهدوء والثبات وتجنب الرعونة والغضب والتصرفات الحمقاء التي قد تكلف الفرد خسائر لا حصر لها .. وبالتالي فان الخلوة لها دور هام في تجنب المشكلات وتفادي مضاعفاتها وإعداد الفرد لمواجهتها بأسلوب علمي صحيح يعدل من أفكاره الخاطئة وتفاعلاته التي تسبق مواجهة المشاكل المختلفة .. فالاسترخاء الذهني والروحي وطرد أو إعاقة الأفكار المشوهة والمخاوف والمبالغات الانفعالية ثم غرس قيم ومفاهيم إيجابية عن التسامح والعفو ونبذ الغضب والثبات الانفعالي ..

289 كذلك فإن محاكاة سلوكيات ومواقف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصحابة وكيفية معالجتهم لمثل هذه المواقف – راجع توكيد الذات - يستطيع الشخص أن يعدل من استجاباته وأن يحاكي هؤلاء العظماء وقوتهم النفسية في اجتياز هذه الاختبارات الصعبة بمهارة وثقة وثبات. فالشخص الذي يعاني من سرعة الاستثارة الانفعالية والغضب عليه أن يغرس في ذهنه ويكرر باستمرار قوله تعالى : "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" (المائدة 13). "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" (فصلت34). "ولمن صبر وغفر أن ذلك من عزم الأمور" (الشورى

290 ولقد طُلب من بعض المرضى الذين يعانون من الرهاب الاجتماعي (الخوف من المواقف الاجتماعية) وتجنب الناس نتيجة الحساسية الشديدة للنقد وخوفهم من أن يوجه إليهم أي نوع من المضايقة أو الأذى .. تكرار الحديث الشريف ” المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على آذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم” (ورد في الترمذي ، وأحمد في مسنده ، "والبخاري في الأدب ) ابدأ بتحديد المشكلة الرئيسية وحصر المعلومات المتعلقة بها .. وعزلها عن المشاكل الأخرى الثانوية .. حاول أن تفهم جيداً كيف نشأت تلك المشكلة.. و ما هو دورك الحقيقي فيها .. واستخدم مفكرة لتدوين هذه المعلومات .. تأتي بعد ذلك مرحلة وضع الفروض .. وأعنى بها الحلول المحتملة التي تطرأ على ذهنك ثم أكتبها في مفكرتك .. وأمام كل فرض أو حل مقترح أكتب سلبياته وإيجابياته .. بعد ذلك استبعد الفروض والحلول الضعيفة .. ثم أبدأ بأفضل هذه الحلول لتجربته على أرض الواقع واختبار مدى فاعليته .. وعليك أن تعرف أن حل أي مشكلة لابد أن يتضمن مكاسب وخسائر .. كما يجب أن تدرك ضرورة تفتيت القوى التي تسبب لك المشكلة بمعنى أن لا تجمع الخصوم ضدك .. بل إذا استطعت أن تخترق بذكاء الروابط التي تحركهم معاً تكون قد نجحت في تفتيت المشكلة إلى أجزاء يسهل التعامل معها

291 إذا لم يصلح الحل الأول سجل مزاياه وعيوبه وأنتقل إلى الحل الثاني وهكذا
والخلوة العلاجية تمنح صاحب المشكلة ذهناً صافياُ فيرى ويحلل أسبابها بدقة بحيث يستطيع أن يتعامل مع المشكلة بدون اندفاعات هوجاء أو انفعالات حمقاء تعطل التفكير السليم .. كذلك فإنها تحيد مشاعر الغضب وتكسب الفرد الثبات والهدوء وهي من العوامل التي تؤثر كثيراً في الوصول إلى حلول جيدة .ومبتكرة  و الإعداد النفسي قبل مواقف الشدة والأزمات يعرفه كبار رجال السياسة ويمارسونه تحت مسميات أخرى .. وخلال الخلوة يمكن أن يقوم الشخص (بعمل بروفة) تجربة على دوره قبل ممارسته على مسرح الواقع 

292 وهناك عدة وصايا ومفاهيم يمكن أن تفيد الشخص في مثل تلك المواقف :
احترام الخصم وتجنب استخدام الألفاظ أو التلميحات الجارحة يفيد كثيراً في حل المشكلة وعدم تعقيدها الثقة في النفس وأن يلتقي بصرك بالخصم بدون استفزاز ودون أن تهتز أو تنفعل أن تجلس في هدوء وثبات يفضل أن تنتظر حتى تسمع وجهة النظر الأخرى كاملة عندما تفاجأ بمعركة أو هجوم لست مستعداً له لا تجعل تركيزك ينصب على موضوع المناقشة بل على الشخص الغاضب نفسه بأن تعلن بحزم أن المناقشة مع الانفعالات لن تصل إلى نتيجة .. ويمكنك الانسحاب بحجة التحقق من المعلومات أو الكلام الذي طرح .. أو بحجة دراسة الموضوع هناك أيضاً أسلوب التساؤل السلبي .. عندما تكون المشكلة مع رئيس أو شخص هام في حياتك ولا تريد أن تخسره .. وذلك بأن تعترف بأن هناك خطأ  ثم تبدى استعدادك لإصلاحه .. بل ويمكن أن تسأله إذا كان هناك أي سلبيات أخرى يرى أنها تحتاج للتغيير ..

293 المرونة وما يسمى بالتلون الانفعالي. أمر هام يجب أن تضعه في اعتبارك
المرونة وما يسمى بالتلون الانفعالي .. أمر هام يجب أن تضعه في اعتبارك .. بحيث تكون قادراً على إظهار الثناء والتقدير والمدح إذا استدعى الأمر ( بدون نفاق أو مبالغة) .. وأن لا تطيل الثبات والجمود على حالة انفعالية واحدة .. بل لابد أن تتعلم أهمية أن تعبر لحظات الغضب والضيق بسرعة . تذكر أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يسيطر على غضبه وانفعاله بقدرة رائعة وعن أبو داود والنسائي عن أبي موسى : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا خاف قوماً قال : " اللهم إنا نجعلك في نحورهم ، ونعوذ "بك من شرورهم“

294 السيطرة على الغضب و الانفعالات السلبية
التحكم في انفعال الغضب والسيطرة على النفس من الأمور بالغة الأهمية لكي ينجح الإنسان في حياته ويستطيع أن يتوافق مع نماذج البشر على اختلاف طباعها وأخلاقها.. وأيضاً لكي يتجنب ما يسببه الغضب من اضطرابات نفسية وعضوية متعددة، ويتفادى كثرة التصادم والاحتكاك والذي يحصد ـ بسببه خصومات وعداوات كثيرة . ومن الذكر الذي يفيد الإنسان كثيراً في مثل تلك الحالات ويفضل تسجيله و ترديده وغرسه في الذهن باستمرار أثناء جلسات الخلوة العلاجية وبعدها ..ومنه الآية الكريمة " ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم" ( فصلت ) ولم أر في الحقيقة أعظم أثراً في إزالة الغضب والانفعالات المدمرة المصاحبة له من ترديد تلك الآية الكريمة وغرسها في الذهن على محو الأفكار والمخاوف والانفعالات :المرتبطة بالغضب مثل

295 "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور " (الشورى )  
" فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين  (" المائدة ) " منهج الرسول فى تعديل السلوك فى حالات الغضب " يتصدر الغضب وسرعة الانفعال قائمة العوامل المسببة للاضطرابات النفسية والتشوش الذهني وإهدار طاقات الناس النفسية والبدنية ، وهو أيضاً من أهم أسباب اختلال التوافق واللياقة النفسية والاجتماعية , وهناك حقيقة لا تقبل الجدل تقول :" لا ينال العلا من كان طبعه الغضب " ، فالغضب لا يفرز إلا الضغينة والحقد ، وهو نار تحرق العقل وتسحق البدن وتصيبه بأمراض لا حصر لها . ويتفق معظم علماء النفس على أن الغضب ضرورة لحماية النفس من عدوان العالم الخارجي ، ولكن عندما يصبح الفرد سهل الاستثارة يغضب لأتفه الأسباب وتزداد حدة انفعالاته لفترات طويلة فانه سوف يعانى من أعراض التوتر المستمر والقلق المزمن وضعف التركيز والإعياء الذهني و البدني وفقد الرغبة فى الاستمتاع بالحياة ، مع بعض الأعراض الاكتئابيه. والغضب مثل البخار المضغوط فى  إناء محكم إذا لم يجد منفذاً لخروجه فانه يصيب الفرد بمرض أو أكثر من تلك المجموعة المسماة بالأمراض النفس- جسمية مثل قرحة المعدة وارتفاع ضغط الدم والذبحة الصدرية والقولون العصبي والصداع العصبي المزمن .. الخ , ويعبر البعض عن ذلك بأن الغضب إذا لم يخرج فسوف يستقر فى أحشائك  .

296 وللرسول (ص) منهج فعال لتعديل السلوك فى حالات الغضب يتضمن عدة طرق وأساليب ناجحة نذكر أحدها وهو يهدف إلى طرد الأفكار الخاطئة المثيرة للانفعال أولاً بأول ، بتكرار وترديد بعض الآيات الكريمة "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين" (المائدة 13) "ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور" (الشورى 43).والحديث الشريف "الشديد الذى يملك نفسه عند الغضب" وأن يحاكى ويقلد الثبات والقوة النفسية والحلم فى نماذج الأنماط السلوكية للرسول الكريم (ص) ومنها أنه كان يوما يمشى ومعه أنس فأدركه أعرابي فجذبه جذباً شديداً وكان عليه برد غليظ الحاشية ، قال "انس" رضي الله عنه : "حتى نظرت إلى عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثرت فيه حاشية البرد من شدة جذبه " فقال : "يا محمد هب لي من مال الله الذي عندك " فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وضحك ثم أمر بإعطائه ومنع الصحابة من التعرض له ، ولما أكثرت قريش إيذائه قال : "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" وعفا عنهم جميعاً , تلك هي أعظم درجات القوة النفسية ودلالة اكتمال العقل وانكسار قوة الغضب وخضوعها التام للعقل والحكمة

297 وإذا أردت التدريب على هذا المنهج عليك فى نهاية كل يوم أن تجلس فى خلوة علاجية مسترخياً على مقعد مريح وأن تأمر ذهنك بطرد كل الأفكار السلبية والهموم وأن تتأمل منهج الرسول الذى ذكرناه والمواقف العملية المثيرة للغضب التى تعرضت لها ومدى نجاحك فى تطبيق وتقليد هذا المنهج فى معالجتها .. وأن تتابع ذلك وتسجله فى مفكرتك الخاصة يومياً لمدة شهر وسوف تشعر بالقوة النفسية وتزايد قدراتك فى السيطرة على الغضب 

298 ذكر الله طارد للمخاوف ذكر الله يزيل المخاوف والأفكار والتصورات السلبية والوساوس ويطردها من الذهن فى الحال , ويعيق تأثيرها على مراكز الانفعال .. ويطردها من الذهن فى الحال , وهذه الحقيقة هي حجر الزاوية وأساس أسلوب الخلوة العلاجية الذي تأكد من خلال ملاحظة عشرات الحالات من المرضى والمتطوعين. ولقد أثبتت الاختبارات النفسية والتقييم الإكلينيكي واستمارات ملاحظة الذات انخفاض معدلات الانفعالات المختلفة نتيجة زوال الأفكار الخاطئة والمخاوف والوساوس باستخدام أسلوب الخلوة العلاجية .

299 وتتوافق هذه النتائج مع ما ورد في كتب الوعظ والإرشاد والفقه وغيرها عن فضيلة الذكر في بث الطمأنينة في النفس (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) وتخليصها من الخوف والغضب والانفعالات السلبية غير المرغوب ويؤكد الأمام الغزالي : "أنه بالذكر تنمحي المخاوف، فإذا ذكر الذاكر الله عمرت قلبه الطمأنينة، وغمره الرضا، بعد أن كان متوجساً خائفاً، يائساً قانطاً .." والذكر كما يقول الشيخ سيد سابق في كتابه "فقه السنة" .. "هو ما يجرى على اللسان والقلب، من تسبيح الله تعالى وتنزيهه وحمده والثناء عليه ،ووصفه بصفات الكمال ونعوت الجلال" وقد ورد في العديد من معاجم الألفاظ والتفسيرات أن ذكر الله هو "إقرار باللسان، وتصديق بالقلب" .. يأنه ترديد وتكرار مع تركيز ذهني يوقظ المشاعر .. ويحرك القلب .. وبالتالي يمكن أن يؤثر في محتوى وعمليات التفكير ، ويساعد بالتالي على إيقاف وطرد الأفكار والتصورات والتخيلات المشوهة والانهزامية المسببة للأمراض النفسية المختلفة .

300 ولقد جربت مع عدد من المرضى ومن الأشخاص العاديين الذين يعانون من مشاكل شخصية واضطرابات في التوافق درجة أعمق من الترديد والتكرار للأذكار المختلفة تشمل تأمل معنى كل كلمة وكل لفظ يصف قدرة الله ـ عز وجل ـ على مساعدة العبد وعونه والتركيز على المعنى واستخدام المخيلة في تصور أشكال المساعدة والعون التي يتمناها الإنسان من خالق ه عز وجل .. ولقد كانت النتائج مبشرة وحققت درجة أسرع وأطول أثراً في خفض معدلات التوتر والإحباط وإزالة الانفعالات السلبية .. ولكن استخدام المخيلة وتأمل المعاني فى هذا المجال مازال يحتاج إلى دراسات أخرى. وبقول الشيخ سيد سابق في كتابه فقه السنة : "إذا اطمأن القلب للحق اتجه نحو المثل الأعلى، وأخذ سبيله إليه دون أن تلفته عنه نوازع الهوى، ولا دوافع الشهوة. ومن ثم عظم أمر الذكر، وجل خطره في حياة الإنسان، ومن غير المعقول أن تتحقق هذه النتائج بمجرد لفظ يلفظه الإنسان، فإن حركة اللسان قليلة الجدوى مالم تكن مواطئة للقلب، وموافقة له" .

301 وتشير الآية الكريمة من سورة الأعراف إلى الذكر فتقول : "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولاتكن من الغافلين" (الأعراف205). والآية تشير إلى أنه يستحب أن يكون الذكر سراً، لاترتفع به الأصوات. ويضيف الشيخ سيد سابق في نفس المرجع المذكور: ومن الأدب أن يكون الذاكر نظيف الثوب طاهر البدن طيب الرائحة، فإن ذلك مما يزيد النفس نشاطاً، ويستقبل القبلة ما أمكن، ولقد وردت العديد من الآيات الكريمة في الذكر، منها: (" ألا بذكر الله تطمئن القلوب " ( سورة الرعد 28(" فاذكروني أذكركم " ( سورة البقرة 152 (" اذكروا الله ذكراً كثيراً " ( سورة الأحزاب 41 . (" فاذكروا الله قياماً وقعودا وعلى جنوبكم" (سورة النساء 103ويتضمن ذكر الله ترديد عبارات : "الحمد لله" ، "سبحان الله" ، "الله أكبر" ، "أستغفر الله" ، "لا إله إلا الله" ، "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، "أعوذ بالله من الخبث والخبائث" .. الخ أو ذكر نعم الله والشوق إليه، كذلك ذكر أسماء الله الحسنى وترديدها .. والذكر أيضاً يشمل قراءة المعوذتين وآية الكرسي . (

302 الخلوة العلاجية ... و التأمل

303 الخلوة فى المفهوم الإسلامى تعنى اختلاء الفرد بربه فترة من الزمن ينسلخ فيها من هموم الدنيا ومشاغلها .. ويتوجه إلى الله بالذكر والدعاء والمناجاة ،والخلوة ليست البعد عن الناس حباً في العزلة.. أو هروباً من مواجهة أعباء الحياة ومسئولياتها .. بل هي فترة قصيرة من البيات والكمون .. واستراحة محدودة لتصفية الذهن وتنقية النفس وإجلاء البصيرة وتطهير الروح .. إنها أشبه ما تكون بالصيانة الدورية المنتظمة لاكتشاف أوجه القصور والتقصير .. والتفكير في آلاء الله وتأمل حكمته وجميل صنعه.. ثم العودة لتأمل مسيرة الحياة وتعديل ما يستطيع المرء منها. ومن جانب آخر يمكن الاستفادة من خواص الخلوة فى بعض النواحى العلاجية , حيث تعتبر الخلوة صقلاً للإرادة ..والخلوة أيضاً تحقق للإنسان الاسترخاء وفرصة التأمل والتركيز الذهنى الذى يساعد الفرد على الوصول إلى أفضل الحلول لمشاكله .. والأفكار المبتكرة الخلاقة.. والإبداع الراقي المستنير .. وهي تعوضه عن بعض خسائره .. فعندما اعتزل سيدنا إبراهيم عليه السلام قومه ،أبدله الله من هو خير منهم .. ووهب له إسحاق ويعقوب وجعلهما من الأنبياء : "فلما أعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا (جعلنا نبياً ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق علياً" (سورة مريم:49)

304

305

306

307

308

309

310

311

312 تزداد حاجة الناس في هذا العصر إلى طرق وأساليب سهلة ومبسطة نابعة من البيئة والتراث يمكن اللجوء إليها عند الشعور بالتوتر والقلق والإحباط، وعند مواجهة الضغوط والمشكلات التى تحتاج إلى الاسترخاء والهدوء وإعادة تنظيم التفكير .. بل وإعادة برمجة العقل حتى يصل الفرد إلى إعادة صياغة وترتيب أفكاره وأهدافه ، وأيضا إلى تخلصه من الاضطرابات النفسية والانفعالات السلبية الناتجة عن ضغوط الحياة ومشاعر الإحباط والفشل واختلال التوازن والقدرة على التوافق النفسي والاجتماعي. ولاشك أن كل إنسان يحتاج – من وقت لآخر – أن يخلو بنفسه ويبتعد قليلاً عن صخب الحياة ومشاكلها ليفكر بهدوء ويعيد تنظيم عالمه الداخلي، وتفحص وتقييم أفكاره وخبراته والمواقف التى تعرض لها ثم يحدد لنفسه خطة عمل ويتخذ القرارات ويحدد لنفسه الخطوات..

313 و الخلوة العلاجية  تتضمن تدريب الشخص على التخلص من الأفكار السلبية الانهزامية المعوقة والمخاوف والوساوس المزعجة والمواقف والذكريات المؤلمة , بحيث يصل إلى درجة أن يأمر ذهنه بالتوقف فوراً عن التفكير فى هذه الأفكار السلبية أو أن يطردها من ذهنه ويحل محلها أفكاراً إيجابية تشحن طاقاته النفسية وتحفزها للانطلاق من جديد فى الاتجاه الصحي السليم وتكمله مشوار الحياة بعزيمة وإرادة لا تلين . والخلوة العلاجية أسلوب علاجي نابع من ميراثنا الديني والثقافي وقد اثبت فعاليته بل وتفوقه على أساليب العلاج النفسي الأخرى المستوردة من الغرب والتي تخفى فى ثناياها مفاهيم وأفكار لا تتناسب مع طبيعة وظروف الشخصية العربية. لقد كان الهدف من استخدام أسلوب الخلوة العلاجية هو تحويل النصائح والمواعظ والأفكار الايجابية إلى أفكار نشطة وفعالة بغرسها فى الذهن عن طريق التأمل والتكرار فى حالة من التركيز الذهني العالي وفى جو من الهدوء والاسترخاء يسمح بتحويل هذه المنظومات الأخلاقية والصياغات اللفظية إلى مفاهيم ومعتقدات تدفع الفرد دائماً إلى السلوك المرغوب . ولقد تأكد من خلال عدد من الدراسات التى قدمتها على مدار سنوات طويلة أن الخلوة العلاجية تفوق على أسلوب التأمل المتسامي Transcendental Meditation ،  وأسلوب البرمجة العصبية اللغوية NLP التى تنتشر فى الغرب حالياً بصورة ملفته للنظر .. وأن نتائجها أقوى وأعمق .

314 ولقد لوحظ أيضا أن الشخص الذى يعانى من مشكلات أو أمراض نفسية لا يستطيع فى كثير من الحالات الاستفادة من أساليب العلاج الغربية التى تعتمد على حث المريض وتحريضه على الحرية الجنسية على أساس أنها من أهم أسس الصحة النفسية فى المفاهيم الغربية. وذلك بالطبع دون مراعاة لظروف النشأة الدينية والاجتماعية ومنظومة القيم والمفاهيم التى تحكم سلوك المريض الشرقي ، ولذلك فقد نتج عن هذه الأساليب العديد من المضاعفات والانتكاسات لكثير من المرضى الذين يعالجون بها , ولقد عالجت عشرات الحالات التى تدهورت وأصيبت بأعراض وانتكاسات حادة نتيجة علاجها بأساليب وطرق غير مناسبة.. ومما زاد الطين بله وجود عدد من المعالجين بهذه الأساليب من غير المتخصصين وممن تلقوا دورات أو تدريبات قصيرة المدى لا تتعدى فى بعض الأحيان أيام أو أسابيع محدودة . .. ويمثل الحوار الذاتي أهمية قصوى فى الخلوة العلاجية حيث يعتبر تعديل الحوار الذاتي – ما يقوله الشخص لنفسه -  إلى جمل ايجابية حماسية متفائلة من أهم خطوات الخلوة العلاجية حيث يقوم الفرد ببناء وتصميم هذه الجمل والعبارات الايجابية الصحية ويكررها بتركيز ذهني عالي ويجعلها تحل محل الجمل والعبارات السلبية التى يقولها لنفسه ، والتي تتسبب فى التوتر الاكتئاب وهزيمة الذات .

315 ولا شك أن الخلوة والتأمل هي من الخصائص المميزة للشخصية العربية، وأن الاعتماد على الرعي والزراعة قد أتاح الفرصة للتأمل والانطلاق بالخيال فى أماكن رحبة متسعة لا يقوم النشاط الإنساني فيها على التحديد والضبط والدقة  الشديدة التى تتميز بها المجتمعات الصناعية، ولقد أدركت المجتمعات الغربية أهمية تنمية القدرة على التأمل ودوره فى الصحة النفسية بل وفعاليته فى العلاج النفسي .

316 إن الخلوة تحقق للشخص العربي فرصة سانحة بالاسترخاء الذهني والجسدي الذى يحتاجه فى ظل ظروف وضغوط هذا العصر وهى أيضا فرصة للتدريب على الضبط الذاتي لطرد الافكار السلبية والانهزامية وغرس الافكار الايجابية وإعادة تقييم سلوكياته ومتابعة التدريب عليها وهى فى النهاية يمكن أن ينظر إليها على أنها أسلوب سهل يناسب الشخصية العربية ويساعدها على تثبيت وغرس منظومة القيم والأخلاقيات وتحويلها إلى أنماط سلوكية وعادات راسخة ، ولا اعتقد أن هناك وسيلة أخرى فى ظل التشتت الذى تمليه علينا الفضائيات والثقافات والعادات المثيرة والمبهرة التى تخترق حياتنا من كل اتجاه يمكن أن تقوم بتحويل النسق الوعظي والتعليمات الخطابية والحكم البلاغية إلى سلوكيات عملية إلا من خلال التدريب على إعادة برمجة العقل والتأمل بأسلوب الخلوة العلاجية وهى فى النهاية محاولة لتحويل الثقافة العربية التقليدية بازدواجياتها وما تسببه من صراعات نفسية تستهلك طاقات الفرد فقط فى حدود الخطابة والهتاف بمكارم الأخلاق لحظات الحماس ثم تبخر هذه الشعارات الانفعالية بعد لحظات ونسيانها .

317 أما عن مفهوم الخلوة فى التراث الديني فهو يشمل العديد من المفاهيم والمعاني منها ترك مشاغل الدنيا والتفرغ لذكر الله ومناجاته وأن يخلو الإنسان بنفسه لكي يتأمل عالمه الداخلي ولكي يتعبد ويحاسب نفسه على أخطائها.. ولكي يزيد نفسه صقلاً وصفاء. ولقد نصح الرسول – صلى الله عليه وسلام – عقبة بن عامر رضي الله عنه بالخلوة .. قائلاً : "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك.." (رواه أبو داود والترمذي).

318 فوائد الخلوة... ولقد رأى العديد من علماء وفقهاء الإسلام أن فى الخلوة فوائد ومميزات كثيرة منها: تجنب آفات اللسان وعثراته الكثيرة ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رحم الله عبداً سكت فسلم أو تكلم فغنم" . البعد عن الرياء والمداهنة والزهد في الدنيا والتخلق بالأخلاق الحميدة. تفقد أحوال النفس. حفظ البصر .. وتجنب النظر إلى ما حرم الله النظر إليه. التفرغ للذكر.. ويروى عن سيدنا معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه –   أنه قال : "كلم الناس قليلاً ، وكلم ربك تعالى كثيراً ، لعل قلبك يرى الله تعالى"

319 تهذيب الأخلاق. والبعد عن قسوة القلب
  تهذيب الأخلاق .. والبعد عن قسوة القلب ..وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وأن أبعد الناس من الله تعالى القلب القاسي " . ( رواه الترمذي والبيهقي ) التمكن من عبادة التفكر والاعتبار .. وقد وصف الإمام الغزالي حالة من التفكر فوق مستوى الوعي العادي واليقظة !!.. يستطيع المرء أن يدرك فيها مالا يدركه العقل وحواسه في الحالات العادية .   لذة المناجاة .. حيث يقول الإمام "الغزالي" في موسوعته "إحياء علوم الدين" عن آراء بعض الأولياء والصالحين : "أنه ليس في الدنيا وقت يشبه نعيم أهل الجنة إلا ما يجده أهل المناجاة في قلوبهم بالليل من حلاوة المناجاة" .. وقال بعضهم أيضاً .. : "لذة المناجاة ليست من الدنيا ، وإنما هي من الجنة أظهرها الله تعالى لأوليائه ، لا يجدها سواهم" . محاسبة النفس  ومعاتبتها .. قال تعالى : "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد" ( سورة الحشر 18) .. وهذه إشارة واضحة إلى ضرورة محاسبة النفس على ما مضى من أعمال .. وان يلوم الإنسان نفسه إذا أخطأت .. وأن يذكرها بطريق الصواب والهداية: "وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين" ( سورة الذاريات 55).

320 وهكذا .. فإن الخلوة تتيح للإنسان الابتعاد المؤقت عن عالم الضوضاء والهرج والمرج إلى واحة الخلوة بهدوئها وما تمنحه إياه من صفاء ذهني ونفسي يجعله يرى بوضوح حقيقة وأسباب مشاكله وهمومه .. ويرتب أفكاره وخططه وأهدافه .. ويشحن قواه المعنوية .. ويشحذ همته وشجاعته لمواجهة الصعوبات .. واستعادة عزيمته ومضاعفة ثقته بنفسه. إضافة إلى تجديد صلته بربه وتوثيقها.. وإدراك أن ضغوط الحياة ومشاكلها لا تستحق كل هذا العناء وأن الإنسان يستطيع أن ينجو منها عندما يريد إذا دخل إلى واحة الخلوة وأطلق العنان لخياله وتأملاته. والخلوة بما تحتويه من تأمل وتخيل وحوار ذاتي – وجميعها عوامل فكرية – تساعد على تعديل انفعالات الفرد وسلوكه.

321 ولقد ثبت بالعديد من الأدلة التجريبية والإكلينيكية أن العوامل الفكرية التى تشمل التفكير والتخيل والتصور والاستنتاج والتوقع تتصل وتؤثر فورًا على مراكز الانفعال بالدماغ التى تفرز بالتالي عددًا من الهرمونات والمواد الناقلة العصبية المسببة للتوتر والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة له. ومن هرمونات التوتر المعروفة هرمون الأدرينالين الذى يؤدى إفرازه إلى توتر العضلات وخفقان القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة معدل التنفس، واتساع حدقة العين، ونقل كميات كبيرة من السكر من الكبد إلى الدم حتى تتوفر الطاقة والوقود للمعركة التى استعد لها الجسد بأمر من مراكز الانفعال تحت تأثير العوامل الفكرية المخيفة والمهددة، ويصاحب هذه التغيرات أيضًا تعطل عمليات الهضم واضطراب إفراز العصارات المعدية والمعوية.

322 كما تساعد الخلوة العلاجية الشخص على التدريب على ضبط الانتباه والتحكم فيه.. وبتكرار ممارسة جلسات الخلوة يكتسب الفرد قدرة أكبر على طرد الأفكار الهدامة وتحويل انتباهه وتركيزه إلى شئ آخر مضاد يحقق له الطمأنينة والهدوء والسكينة مثل ذكر الله أو الدعاء. وبعد فترة من ممارسة الخلوة يشعر الشخص بسهولة التخلي عن التفكير السلبي والاندماج القهري فى الأفكار والمواقف المؤلمة.كذلك يفيد ذلك التدريب الشخص على التحكم فى درجة التهيؤ الذهني.. بالتركيز على موضوع إيجابي مرغوب بوضعه فى بؤرة الوعي والشعور مع استخدام التكرار والترديد بأسلوب يماثل التسميع الذاتي الذى يستخدمه الطلاب لإبقاء معلومة معينة فى حالة نشطة فى الذاكرة. ويرى بعض علماء النفس أن أصحاب القدرات والمهارات الفائقة يحققون قدراتهم الخارقة بتكرار تركيز الانتباه والتهيؤ الذهني وحصر التفكير فيما يريد ذلك الشخص إنجازه.

323 جلسة الخلوة العلاجية.... شروطها :
تبدأ جلسة الخلوة العلاجية بإعداد وتجهيز المكان الملائم .. والذي يجب أن يتصف بالهدوء وعدم وجود ما يشتت الانتباه من ضوضاء أو أصوات أجهزة تليفزيون أو مذياع وخلافه .. وأن يوجد في هذا المكان مقعد مريح.. ومنضدة.. وساعة لتحديد الوقت.. ودفتر أو أوراق وقلم لتسجيل الأفكار والملاحظات.. ويفضل إغلاق جرس التليفون . كما يجب أن يكون المكان مريحاً نظيفاً.. ويمكن تزويد المكان ببعض الزهور أو النباتات. ومدة جلسة الخلوة 30 دقيقة.. يوميا أو 3 مرات أسبوعيًا ويقسم وقت الجلسة على خطواتها الثلاث بحيث تستغرق كل خطوة حوالي 10 دقائق تقريبًا.. ولكي يحقق الفرد التحسن المرغوب والتغير الإيجابي الذي يبقى لفترات طويلة يجب أن يمارس الخلوة العلاجية لمدة 3 شهور على الأقل. ولا تتعارض جلسة الخلوة العلاجية مع تناول العقاقير المهدئة أو المضادة للقلق أو الاكتئاب إلا إذا كان الشخص فى حالة تهدئه زائدة بسبب تلك العقاقير.

324 ويجب أن نشير إلى أن جلسة الخلوة يمكن أن تؤدى أيضًا إلى نتائج طيبة إذا لم تتوافر هذه الشروط جميعًا.. بل أن البعض استطاع أن يحقق فائدة جيدة من ممارسة الخطوة الأولى فقط من خطوات الخلوة وفى وقت أقل من نصف الوقت المذكور ويمكن إيجاز خطوات الخلوة العلاجية كالآتي:

325 الخطوة الأولى: " الخروج من الدوامة "
تهدف هذه الخطوة إلى: ‌أ-   الخروج الفوري من التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة بالاسترخاء والتنفس العميق ببطء.. ولمدة خمس دقائق تقريبًا. ‌ب- الخروج أيضًا من لعبة تبديد وإهدار الطاقات النفسية والذهنية بأن يصدر الشخص الأوامر لعقله ومخيلته بطرد جميع الأفكار الانهزامية السلبية وأن يطرد أيضا وبحزم أى تخيل أو تصور مكروه أو مزعج أو مخيف. ‌ج-    إصدار أوامر للعقل بالتسامح والعفو (مع تكرار الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة التى تدعو لذلك).

326 الخطوة الثانية : " التأمل والتشبع بالرضا "
تهدف هذه الخطوة إلى: ‌أ-   أن يتأمل الإنسان ويستعرض النعم الذى وهبه الله إياها.. وأن يستخدم مخيلته وذاكرته فى اجترار واستعراض هذه النعم. ‌ب- أن يكرر وهو يستعرض هذه النعم وما حققه من إنجازات – مهما كانت ضئيلة ومحدود – عبارة "الحمد لله .. الحمد لله".

327 الخطوة الثالثة: " شحن وتوجيه الإرادة "
وتهدف هذه الخطوة إلى: ‌أ-   تعديل الحوار الذاتي وما يقوله الفرد لنفسه أثناء الخلوة بحيث يصيغ جملاً وعبارات حماسية وإيجابية تغرس فى نفسه الحماس والعزيمة والأمل. ‌ب- إعادة صياغة الأهداف وخطوات تحقيقها... ويمكن أن يسجل الهدف المراد تحقيقه فى ورقة متابعة يحتفظ بها الشخص كنموذج لخطة عمل مبسطة تجعله يركز دائمًا على هدفه ويتجنب التشتت في المشاكل والمشاغل الجانبية وأن يراعى التدرج والاستمرارية بصبر لتحقيق ذلك الهدف وان يستعين بالدعاء وطلب العون والمدد من الله تعالى. ‌ج- كذلك فان الخلوة العلاجية تمثل فرصة لمناجاة الخالق سبحانه وتعالى وتأمل آيات كتابه العظيم وأحاديث رسوله الكريم.

328 وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية
وتمهد كل خطوة من هذه الخطوات الطريق للخطوة التالية.. فالخطوة الأولى تخفض درجة التوتر والقلق والانفعالات غير المرغوبة فتسمح للذهن بالتأمل وغرس الشعور بالرضا.. والذي يؤدى بالتالي إلى مزيد من التحرر من الشحنات الانفعالية.. فتتحسن القدرات الذهنية وتزداد القدرة على التركيز والأداء الذهني والحماس والدافعية مما يضاعف من القدرة والإرادة لإنجاز الأهداف المرغوبة. وتعتمد ممارسة خطوات الخلوة بالتفصيل على حالة الشخص وظروفه المختلفة لذلك تختلف الخطوات من حالة إلى أخرى.

329 التسامح .. علاج نفسى سريع المفعول
ثبت علمياً أن من أهم صفات الشخصيات المضطربة والتي تعاني من القلق المزمن هو أنها لا تعرف التسامح .. ولم تجرب لذة العفو ونسيان الإساءة. ولقد ضرب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشرات الأمثلة على التسامح والعفو، وعلى نفس الدرب سار الصحابة رضوان الله عليهم .. قال الله تعالى:"خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين" . ( الأعراف 199) وقال تعالى: "وإن تعفو أقرب للتقوى" ..وقال صلى الله عليه وسلم: "أفضل أخلاق أهل الدنيا والآخرة أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك". أنت أيضاً تستطيع أن تدرب نفسك على العفو والتسامح بتكرار هذه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في السيطرة على الغضب وغرسها في ذهنك والاستعانة بها خلال جلسات الخلوة، بل وأن تسجلها وتحتفظ بها في ورقة في دفترك أو في حافظة نقودك لتعود إليها كل فترة وتستعين بها في إطفاء نار الغضب التي تنشأ نتيجة العديد من الأسباب ـ في عصرنا هذاـ مثل الزحام والتنافس على لقمة العيش بل ونتيجة أسباب بسيطة ومتكررة ويومية مثل تبادل التحية بين الناس أو عدم تقديم التحية المناسبة والترحيب بالجار أو الزميل .. وما يكتنف ذلك من سوء تفسير وتأويل والاعتقاد الخاطئ بتجاهل البعض لنا أو تعمدهم عدم تقديرنا.

330 اسلوب التشبع بالرضا التشبع بالرضا يشمل رضا الشخص عن قدراته وصورته وهيئته وإمكانياته "التى منحها الله له لكي يصل الشخص لذلك الشعور الجميل بالرضا والسكينة عليه أن يركز تفكيره وخياله فى استعراض وتأمل النعم التي أنعم الله بها عليه من الصحة والستر والمال والولد ، والقدرة على الاستمتاع بالحياة في حدود (هنا والآن) كما يقول مبدأ مدرسة "الجشطلت" الألمانية في العلاج النفسي .. وأن يحمد الله على ما أعطاه إياه من حواس وملكات ونعم وقدرات لا تقدر بمال ولا يمكن تعويضها بكنوز الدنيا وما فيها .. كذلك عليه أن يستعرض ما حققه من نجاح (مهما كان محدودًا) وما استطاع أن يقدمه ويتلقاه من حب وعطف من أفراد الأسرة والأصدقاء والزملاء والجيران .

331 ولقد حقق هذا الأسلوب البسيط – حتى عند استخدامه بمفرده – زوال التوتر والقلق والشعور بالسلام والرضا والطمأنينة لعشرات ممن كانوا يعانون من قلق الصراع الدامي لتحقيق الرغبات والطموحات .. بل استطاع عدد من المرضى الذين كانوا يعانون من الأرق والكوابيس المزعجة المخيفة أن يستمتعوا بنوم هادئ عميق عند ممارسة هذا الأسلوب قبل النوم مباشرة. وبالطبع.. يكتمل الشعور بالرضا إذا أقترن أيضا بالدعاء والذكر وطلب العون والمدد من القوى المعين .

332 والتشبع بالرضا يشمل أيضًا رضا الشخص عن قدراته وصورته وهيئته وإمكانياته التى منحها الله له..
وأتذكر شابًا فشل فى الارتباط والزواج عدة مرات بسبب شعوره بقبح شكله مما كان يثير لديه الشعور الشديد بالنقص والخجل والارتباك .. وباستعراض تاريخه الشخصي وخبراته السابقة أتضح أنه كان مقبولاً من أكثر من فتاة ولكن زواجه لم يكتمل بإحداهن لأسباب مادية فطلبت منه أن يسجل هذه الخبرات الإيجابية وأن يجعلها حيه فى ذهنه ويركز تفكيره فيها ويرددها لنفسه كلما شعر بقبح شكله أو كلما حدث موقف يوحى إليه بذلك.. ولقد تم تدريبه فى جلسات الخلوة على التركيز على هذا الموضوع فى الخطوة الثانية.. ورغم أن هذه الأفكار كانت تسيطر على ذهنه بإلحاح إلا أنه استطاع بعد عدة شهور التخلص منها.. ومن المشاعر والانفعالات السلبية التى تعقبها .

333

334

335

336

337

338

339 ملحقات

340 بناء النفس المسلمة

341 والذكر للإنسان عمر ثانٍ والبغي مهما طال عدوانه ***
وبقي حيًّا بذكره *** والذكر للإنسان عمر ثانٍ والبغي مهما طال عدوانه *** فالله من عدوانه أكبر الله أسعدني بظل عقيدتي *** أفيستطيع الخلق أن يشقوني

342 كل بذل إذا العقيدة ريعَتْ ***
دون بذل النفوس نذر زهيد مسلم يا صعاب لن تقهريني *** في فؤادي زمازم ورعود لا أبالي ولو أُقيمت بدربي *** وطريقي حواجز وسدود من دمائي في مقفرات البراري *** يطلع الزهر والحياة والورود

343 إن ما يميز دين الإسلام أنه دين مثالي واقعي لا دين خيالي فنصر الإسلام لا يكون فقط بالمعجزات والكرامات وخوارق العادة ,وإنّما النصر يكون بالرجال والنساء الذين يعشقون هذا الدين ويضحون بكل ما يملكون في سبيل الله . و ضرب رسول الله صل وآل بيته وأصحابه الكرام الأمثال العظيمة في التضحية والفداء وعلمونا معنى الصدق في المبدأ,فحري بنا أن نقتدي بهم وأن نحافظ على ما قدموه لنا وأن نكون خير خلف لخير سلف .

344 (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

345 قال الشيخ محمد أحمد الراشد حفظه الله
لَسْنَا كَمثْلِ السَلفِ في وَرَعِهِ وتَقْوَاه لَكِنَّنَا أَهْلُ عزةٍ إيمانِيَّةٍ، تَرجِعُ بنَا بعدَ كلِّ هَفْوةٍ إِلَى إِصْلاحِ الخَطَأ! ..علينا أنْ نَعْتَقِدَ أنَّ سبيلَ إِنْمَاءِ فَضْلَنَا وَتَكْمِيلِهِ لَيسَ هُوَ سَبِيْلُ التَّقريعِ الشَّديدِ للنَّفسِ القاتلَ لَهَا،بَلْ هُوَ سَبِيلُ التَّوْبَةِ الشَّرْعِيَةِ، مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ بَعْدَ مَرَّةٍ،وَيَكُوْنُ ذَلِكَ فِي أَوْلِ مَسَارِنَا، وَفِي أَوْاسِطِهِ، وفِي أَوَاخِرِهِ فَبِالتَّوْبَةِ، وَبِالتَّنَاصُحِ، وَبِالتَوَاصِي بِالْحَقِ وَالْصَّبْرِ، نَسُدَّ ثَغَرَاتِ جِدَارِنَا وَنُكْمِلُ بِنَاءَنَا.

346 الحاجة العظيمة ماسَّة إلى بناء أنفسنا، وتأسيسها على تقوى من الله ورضوان، أشد من الحاجة إلى الطعام والشراب والكساء. إِي والله لذلك ولعدة أسباب لعلنا أن نقف عليها: أولاً: لكثرة الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشبهات؛ فحاجة المسلم الآن –لا ريب- إلى البناء أعظم من حالة أخيه أيام السلف، والجهد –بالطبع- لابد أن يكون أكبر؛ لفساد الزمان والإخوان، وضعف المعين، وقلة الناصر. ثانيًا: لكثرة حوادث النكوس على الأعقاب، والانتكاس، والارتكاس حتى بين بعض العاملين للإسلام، مما يحملنا على الخوف من أمثال تلك المصائر. ثالثًا: لأن المسؤولية ذاتية، ولأن التبعة فردية (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نفْسِهَا) رابعًا: عدم العلم بما نحن مقبلون عليه؛ أهو الابتلاء أم التمكين؟ وفي كلا الحاليْن نحن في أَمَسِّ الحاجة إلى بناء أنفسنا لتثبت في الحالين.

347 خامسًا: لأننا نريد أن نبني غيرنا، ومن عجز عن بناء نفسه فهو أعجز وأقل من أن يبني غيره، وفاقد الشيء لا يعطيه -كما قيل-؛ لذلك كله كان لابد من الوقوف على بعض العوامل المهمة في بناء النفس بناءً مؤسَّسًا على تقوى من الله ورضوان؛ فها هي بين أيديكم -الآن- بعض العوامل غير مرتبة، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً

348 من عوامل بناء النفس: التقرب إلى الله -عز وجل وعلا- بما يحب من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، وخير ما تقرب به المتقرِّبون إلى الله الفرائض التي فرضها الله -جل وعلا-، وعلى رأس هذه الفرائض توحيد الله -جلا وعلا- وإفراده بالعبادة وحده لا شريك له، ثم إن في النوافل لمجالاً واسعًا عظيمًا لمن أراد أن يرتقي إلى مراتب عالية عند الله -تبارك وتعالى-، وفضل الله واسع يؤتيه من يشاء. يقول -صلى الله عليه وسلم، فيما يرويه عن ربه، كما في البخاري-: "وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأًعيذنَّه"

349 ومن فضل الله –جل وعلا- علينا أن جاء هذا الدين بعبادات شتى تملأ حياة المسلم في كل الظروف والأحوال؛ بالليل والنهار، بالقلب والبدن؛ فهناك السنن القولية، والسنن الفعلية والقلبية التي يعتبر أداؤها من أهم عوامل بناء النفس؛ من قيام ليل، وصيام تطوع، وصدقة، وقراءة قرآن، وذكر لله آناء الليل وأطراف النار. لاشك أن هذه العبادات تقوِّي الصلة بين العبد وبين ربه، وتوثِّق عُرى الإيمان في القلب؛ فتنبني النفس وتزكو بها، وتأخذ من كل نوع من العبادات المتعددة بنصيب؛ فلا تَكَلُّ ولا تَسْأَمُ. لكن علينا أن ننتبه في هذه القضية إلى أمور:

350 أولاً: الحذر من تحول العبادة إلى عادة؛ لأن البعض يأْلَف بعض العبادات حتى يفقد حلاوتها ولذَّتها؛ فلذلك تراه لا يستشعر أجرها، فتصبح العبادة حركة آلية لا أثر لها في سَمْتٍ أو قول أو عمل أو بناء. ثانيًا: عدم الاهتمام بالنوافل على حساب الفرائض؛ لأن البعض يُخطئ، فيهتم بالأدنى على حساب الأعلى –وما في العبادات دنيٌّ-؛ فيقوم الليل -مثلاً- ثم ينام عن صلاة الفجر، فليكن لك من كل عبادة نصيب، وعلى حسب الأهمية؛ كالنحلة تجمع الرحيق من كل الزهور، ثم تخرجه عسلاً مصفًّى شهيًا سائغًا للآكلين. ثالثاً: إذا تعارض واجب ومستحب؛ فالواجب مقدَّم ولا شك.

351 رابعًا: التركيز على أعمال القلوب، وتقديمها على أعمال الجوارح؛ فالقلوب هي محل الفكر، ومحل التدبُّر، ومحل العلم، والقلب مع الجوارح –كما تعلمون- كالملك مع الجنود "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب" من عوامل بناء النفس المجاهدة، كل فكرة لا يصحبها مجاهدة فهي في طريقها إلى الاضمحلال والذوبان والزوال، يقول الله -جل وعلا-:(وَالذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) والنفس كالطفل إن تهمله شب على *** حب الرضاع وإن تفطمه ينفطمِ فجاهد النفس والشيطان واعصهما *** وإن هما محَّضاك النصح فاتهمِ

352 ثم اعلم -يا أخي الحبيب- أن للإخلاص علامات
ثم اعلم -يا أخي الحبيب- أن للإخلاص علامات. اعرض أعمالك عليها، واختبر نفسك، وجاهدها وهي على سبيل المثال لا الحصر، أولاً : استواء المدح والذم؛ فالمخلص لا يتأثر بمدح مادح، ولا ذم ذامٍّ؛ لأنه جعل الهمَّ همًّا واحدًا، وهو إرضاء الله رب العالمين وكفى، ولذا يُمدح أحد الأئمة في وجهه، فيغضب، ويقول: أشهد الله أني أمقتك على ما تقول، والذي لا إله إلاَّ هو لو علمت من نفسي ما أعلم لحثَوْتَ على رأسي التراب. ثانيًا: نسيان العمل بعد عمله، ويبقى الهم همًا واحدًا؛، هل تقبل هذا العمل أم لم يتقبل؟ و(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) ثالثاً: الحب في الله. حبًا يزيد بالبر لكنه لا ينقص بالجفاء، وإنها لكبيرة إلا على الذين هدى الله. رابعًا: إخفاء ما يمكن إخفاؤه من الطاعات؛ خوفًا من دواعي السُّمْعَة والرياء؛ فمن استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل.

353 قد أرخصوا في الله كل عزيزة ***
ثم استقلُّوا فيه كل مُذلِّل ليست مبادئهم حديث مُنمِّق *** زيف اللسان ولا كلام مجمِّلِ صارت مبادئهم وصارت خلفها *** أفعالهم في موكب متمثِّل حملوا القلوب على السيوف وأمعنوا *** في حملهن على الرماح الدُّبَّل الموت للجبناء منحدر وللهمم الصعود شتان ما بين الثعالب في المعامع والأسود

354 من عوامل بناء النفس محاسبتها محاسبة دقيقة؛ فالنفس بطبيعتها تميل إلى الشهوات، إلى اللذات، إلى الهوى؛ فلابد لها من محاسبة، والكل لا يشك أننا إلى الله راجعون، محاسبون على الصغير والكبير والنقير والقطمير. الأعمال محصاة في سجلات محكمة لا تغادر صغيرة ولا كبيرة (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ) (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْس شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ منْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ما دمنا نعلم ذلك، فمن العقل أن نحاسب أنفسنا في الرخاء قبل الشدة؛ ليعود أمرنا إلى الرضا والغبطة؛ لأن من حاسب نفسه علم عيوبها وزلاَّتها، ومواطن الضعف فيها، فبدأ بعلاجها ووصف الدواء لها، فينمي ذلك في النفس الشعور بالمسئولية ووزن الأعمال والتصرفات بميزان دقيق، ألا وهو ميزان الشرع.

355 . لقد عرف السلف الصالح أهمية ذلك، فحققوها في أنفسهم، هاهو أحدهم – كما أورد [ابن أبي الدنيا] بسنده- جلس مع نفسه ذات يوم محاسبًا في آخر عمره، نظر وقلَّب وفكر وقدر؛ فإذا عمره ستون عامًا، حسب أيامها فإذا هي تربو على واحد وعشرين ألف يوم وخمسمائة، فصرخ وقال: يا ويلتاه، أألقى الله بواحد وعشرين ألف ذنب وخمسمائة، هذا إن كان ذنب واحد؛ فكيف وفي كل يوم عشرة آلاف ذنب؟ ثم خرَّ مغشيًا عليه. فالمحاسبة تروِّض النفس وتهذبها، وتزيد العمل الصالح، وتولِّد الحياء من الله، وتُلزم خشية الله. فحاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوها قبل أن توزنوا؛ فإنه أهون في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتَزَيَّنوا للعرض الأكبر (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ)

356 ومحاسبة بعد العمل وهي على أنواع:
أحدها: محاسبة النفس على طاعة قصرت فيها في حق لله؛ فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي أن توقع وحق الله – كما تعلمون- في الطاعة ستة أمور: أولاً: الإخلاص في العمل، ثم النصيحة لله فيه، ثم متابعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم شهود مشهد الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، ثم شهود مِنَّةِ الله عليك في التوفيق لأدائه، ثم شهود تقصيرك فيه بعد ذلك كله. أما الثانية: فمحاسبتها على كل عمل كان تركه خيرًا له من فعله. وأما الثالثة: فمحاسبتها على الأمور المباحة أو المعتادة لِمَ فعلها؟ ومما يعين على محاسبة النفس معرفة عيوبها، ومن عرف عيبه كان أحرى بإصلاحه.

357 ومما يعين على معرفة عيوب النفس أمور: ملازمة العلماء الصادقين المخلصين العاملين الناصحين، وكذلك ملازمة الأخوة الصالحين الذين يذكرونك الله ويخوِّفونك حتى تلقى الله –سبحانه وتعالى- آمنًا. والمؤمن للمؤمن –كما تعلمون - كاليدين؛ تغسِّل إحداهما الأخرى، وقد لا يُقلع الوسخ أحيانًا إلاَّ بنوع من الخشونة. لكن ذلك يوجب من النظافة والنعومة بعد ذلك ما يحمد به ذلك التخشين؛ فاصبر على مرارة التخشين بتعريفك بعيوبك من إخوانك، لتحمد ذلك ولو بعد حين. ومما يعين على معرفة العيوب ، التأمل في النفس بإنصاف وتجرد؛ فمن تأمل في نفسه بإنصاف وتجرُّد عرف عيوبها، فإن عدمت عالمًا، وإن عدمت قرينًا صالحًا ولم تتأمل في نفسك بإنصاف، وإن شاء الله لا يعدم هؤلاء؛ فابحث على عيوبك عند أعدائك، واستفد منهم؛ فالحكمة ضالتك. وعين الرضا عن كل عين كليلة *** ولكن عين السخط تبدي المساويا والكيِّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنَّى على الله الأماني

358 ومن أهم عوامل بناء النفس: طلب العلم المقرب إلى الله -جل وعلا- والعمل به، والدعوة إليه، والصبر على الأذى في تبليغه، أقول هذا لسببيْن اثنيْن؛ لأن العبادة بلا علم توقع في البدع، وما وقع المبتدعة فيما وقعوا فيه إلا عن جهل غالبًا، ولأن العلم مادة الدعوة إلى الله –جل وعلا-، ودعوة إلى الله بلا علم قد تضر ولا تنفع، وقد يصاحبها الانحراف والضلال. وما الداعية بلا علم إلا كواقف على شاطئ البحر ينتظر وينظر؛ فإذا الأمواج تتقاذف سمكة من الأسماك يَمْنَة ويَسْرَة، تطفو بها تارة، وتغوص بها أخرى، فيشفق عليها مما هي فيه، فيأخذها، ثم يرميها على الشاطئ ظنًا منه أنه أنقذها، وما علم أنه أهلكها، وإن للخير سبلاً، وكم من مريد للخير يجهل العلم لا يدركه، فيا طالب العلم، العلم هام لهاتيْن النقطتيْن،

359 ولك خصال عند الله وميْزات قلَّما تجد لأي شخص من الأشخاص في هذه الحياة، اسمعها وعِها وقف عندها علَّها تكون لك حافزًا أولاً: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة" فأنت تسلك طريق الجنة ولا شك، قال ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم . ثانياً: الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضًا بما يصنع. ثالثاً: أهل السماوات والأرض -حتى الحيتان في جوف البحر- يصلون على معلم الناس الخير. رابعًا: الخيرية لك "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". خامسًا: النضارة والوضاءة في الدنيا والآخرة، تجد وجوه طلبة العلم المخلصين، عليها النور وعليها الوضاءة في الدنيا وتبيض (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " نضر الله امرئ سمع مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها؛ فربَّ مبلغ أوعى من سامع".

360 سادسًا: التعديل والتزكية لا من البشر القاصرين المخطئين، ولكن من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين. العلم أحلى وأغلى ما له استمعت أذن وأعرب عنه ناطق بفم. العلم أشرف مطلوب وطالبه *** لله أكرم من يمشي على قدم فقدِّس العلم واعرف قدر حرمته *** في القول والفعل والآدابَ فالتزم يا طالب العلم لا تبغِ به بدلاً *** فقد ظفرت ورب اللَّوح والقلم واجهد بعزم قوي لا انثناء له *** لو يعلم المرء قدر العلم لم ينمِ والنية تجعل لوجه الله خالصة *** إن البناء بدون الأصل لم يقمِ

361 ثم اعلم -أخي طالب العلم- أن الوقوف على بعض أخبار طلبة العلم والعلماء من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وتدفع النفس الضعيفة إلى تحمُّل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات النبيلة والمقاصد الجليلة، وتبعث فيها روح التأسي بذوي التضحيات في سبيل العلم لتسمو إلى أعلى الدرجات. في أخبارهم إثارة قوية لمشاعر طالب العلم الذي يسعى جاهدًا للوصول إلى المقامات العليَّة في العلوم الشرعية. جاء في ترتيب المدارج: أن [ابن القاسم] -عليه رحمة الله- تزوج ابنة عمه، وحملت منه، وقد كان شغوفًا بطلب العلم، فقرر أن يرتحل لطلب العلم، وخيَّرها عند سفره بين البقاء أو الطلاق، فاختارت البقاء معه، فسافر حتى أتى <المدينة>،

362 وترك زوجه حاملاً في بلاده
وترك زوجه حاملاً في بلاده. فاسمع ما يقول؛ يقول: كنت آتي كل يوم [الإمام مالك] –عليه رحمة الله- في ظلمة الليل، في آخر الليل، في غلس، فأسأله عن مسألتيْن أو ثلاث أو أربع، وكنت أجد منه في ذلك الوقت انشراحًا للصدر، فكنت أستغل ذلك الانشراح، فآتيه كل سحر، قال: فجئت يومًا، فتوسدت مرة عتبة بابه، فغلبتني عيناني، فنِمْتُ، وخرج الإمام مالك إلى المسجد، ولم أشعر به. قال: فخرجت جارية سوداء له، فركزتني برجلها، وقالت: إن الإمام قد خرج إلى المسجد، ليس يغفل كما تغفل أنت. إن له اليوم تسعًا وأربعين سنة قلَّما صلى الصبح إلا بوضوء العتمة، يصلي الصبح بوضوء العشاء لمدة تسع وأربعين سنة! يقول [ابن القاسم]: فأنخت بباب مالك سبع عشرة سنة أطلب العلم، والله ما بعت فيها ولا اشتريت شيئًا، وإنما أطلب العلم. قال: وبينما أنا عنده إذ أقبل حجاج <مصر> –بلده-

363 فإذا شاب ملثم دخل علينا، فسلم على مالك، وقال: أفيكم ابن القاسم؟ فأشير إليَّ، قال: فأقبل علي يقبل عيني ويدي وجدت منه ريحًا طيبة؛ فإذا هي رائحة الولد، وإذا هو ابني الذي ذهبت، وهو في بطن أمه قد أصبح شابًا يافعًا فيالله. تركوا كل شيء، وأعطوْا العلم كل شيء، ففتح الله عليهم فتحًا لا يخطر بالبال، ولا يدور بالخيال. لا نقول: أعطُوا ما أعطَوْا؛ فنحن أقلُّ والله. لكن لنقول: لنعطِ العلم بعض شيء علَّنا نكون شيئًا، نسأل الله أن ييسر لنا العلم النافع والعمل الصالح، هو ولي ذلك والقادر عليه.

364 حكى [الخطيب التبريزي] اللغوي: أن [أبا حسن الغالي] الأديب كانت له نسخة من كتاب الجمهرة [لابن دريد] كانت في غاية الجودة، فدعته الحاجة ذات يوم لبيعها، فكتب أبياتًا في آخرها يعبر عن معاناته في بيع أعز ما لديه وهو الكتاب، لكنها الحاجة - ونسأل الله أن يغنينا عمن أغناه عنا- عرضها للبيع فاشتراها منه [أبو القاسم] المذكور قبل قليل، اشتراها منه بستين دينارًا، ثم قام بتصفحها، فوجد فيها تلك الأبيات بخط بائعها يقول فيها: أنست بها عشرين حولاً وبعتها *** لقد طال وجدي بعدها وحنيني وما كان ظني أنني سأبيعها *** ولو خلدتني في السجون ديوني ولكن لضعف وافتقار وصبية *** صغار عليهم تستهلُّ شجوني فقلت ولم أملك سوابق عبرتي *** مقالة مكويِّ الفؤاد حزين وقد تخرج الحاجات يا أم مالك *** كرائم من ربٍّ بِهن ظنين فقرأها وتأثر أبو القاسم، وفاضت عيناه، وذهب وأرجع النسخة له، وترك له الدنانير، فرحم الله الجميع.

365 يا أيها الداعية إلى الله لابد أن تضع نصب عينيْك بعض الأمور الغير المرتبة:
أولاً: أن الحكمة مطلوبة، وهي وضع الشيء في موضعه (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) فالشدة في موضوعها حكمة، والرفق في موضعه حكمة، وما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مُضِرٌ كوضع السيف في موضع الندى. ثانيًا: رَبِّ نفسك وربِّ الناس، وابنهم على صغار العلم قبل كباره؛ فإن غذاء الكبار –كما يقال- سم الصغار، فلو قدمت لقمة لحم لرضيع لربما تقتله فلينتبه لذلك. التدرج في طلب العلم؛ فالقفزات المحطمة لا خير فيها. ثالثًا: تحديد الهدف مع الدراسة والتخطيط؛ لاتخاذ الوسائل المناسبة الموصلة إلى الهدف، ومثل الذين يعلمون من غير تحديد لأهدافهم كمثل إنسان يضرب في الصحراء دون أن يكون معه دليل يرشده أو قائد يهديه، ولا شك أنه سيظل يسير حتى يَمَلَّ السير، ويضرب في الأرض حتى يضطرب ويختل، وعندئذ يتمنى لو يعود من حيث أتى، وهيهات هيهات، ولاشك أن الهدف هو نشر دين الله في الأرض كما أمر؛ فلابد من وسائل صحيحة سليمة ومقدمات معينة توصل للهدف المطلوب، وهي غير خافية على المسلم البصير.

366 رابعًا: ليس كل ما يعرف يقال، ولكل مقام مقال، حدثوا الناس بم يعرفون
رابعًا: ليس كل ما يعرف يقال، ولكل مقام مقال، حدثوا الناس بم يعرفون. أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله؟ خامسًا: علينا أن نتعرف على طبيعة الأرض قبل أن نحرث فيها الحرث؛ بمعني أن نكون على معرفة بأحوال المدعوين النفسية، وظروفهم الاجتماعية، ودراسة البيئة التي ندعو فيها، وخير قدوة لنا في ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان على علم بالأفراد؛ فتعلمون في صلح الحديبية يوم يأتي أحد المشركين للصلح، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: هذا رجل فاجر، فكان كما قال -صلى الله عليه وسلم- ولم يجعل معه شيء قال: ويأتي آخر، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "هذا رجل متألِّه ابعثوا الهدي في وجهه"، فبعثوا الهدي في وجهه، فرجع وهو يقول: ما كان لمثل هؤلاء أن يُصَدُّوا عن البيت، ويأتي [سهيل]، فيقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "سَهُل أمرُكم؛ فكان الصلح."

367 سادسًا: لا يعول على الكثرة من الجماهير في الرخاء وقت الشدة بل ليكن التعويل على أصحاب السوابق، يا أهل سورة البقرة، ويا أهل بيعة الشجرة. سابعًا: المنبر من أعظم وسائل الدعوة إلى الله، لكنه ليس الوسيلة الوحيدة؛ فهناك الرسائل، وهناك الهاتف والملصقات والكتب واللقاءات والأشرطة، وما الأشرطة؟ مالئة الدنيا ونافعة الناس قال فيها أحد العلماء: وفي كل زمان مضى آية *** وآية هذا الزمان الشريط ولن يعدم قاصد الخير الوسائل الشرعية إن خطط ودرس وأخلص وصدق. ثامنًا: الترفع عن مجاراة السفهاء؛ إذ كيف يجاري العالم السفيه؟ وكيف يعامل الحليم من فقد الحلم؟ وكيف يباري الخَلُوقُ سيئ الخلق؟ إنه إقحام للنفس في ميدان لا تقبل فيه السلامة، ولا تؤمن فيه العاقبة؛ فأمسك -أيها الداعية ويا طالب العلم- عن مخاطبة السفهاء، ومجاراة السفهاء، والتورُّط معهم، فهم موجودون في كل عصر، وهم موجودون في كل بيئة يشاغبون مع كل داعية، لا يخلو منهم جيل، ولذا نبه القرآن الكريم على خطرهم، وحذر عن مجاراتهم ومناقشاتهم فقال: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)

368 تاسعًا: لا تلتفت إلى الوراء؛ فإن وراء الداعية نعيقًا وعواءً للباطل لو التفت إليه لربما تأثر به، و لربما ضعف سيره به وانشغل به عمَّا هو أهم منه، ولذا ضرب [ابن القيم] –عليه رحمة الله- مثلاً للمتلفت لنعيق الباطل بالظبي، ومثل أهل الباطل بالكلب، فيقول: الظبي أشد سعيًا من الكلب، لكن الظبي إذا أحس بالكلب وراءه التفت إليه، فضعف سعيه، فأدركه الكلب، وهو أبطأ منه؛ فالسالك لهذا الطريق ليس في وقته متسع لتشتيته هنا وهناك؛ فكيف يتأثر بأقاويل وادعاءات المبطلين، من يثق بالطريق الذي يسير فيه إذا صاحوا به في طريق سَيره فلا تلتفت إليهم . عاشرًا: إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم، لا تأخذ العلم من صاحب هوى أو من غافل (وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) أخيرًا: وقد أطلت في هذه النقطة لأهميتها، لابد للطلب والدعوة من صبر عظيم كصبر الجماد، وليكن معزيك ما يجده الصابر عند ربه يوم يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب. إن المريض ليتجرع الدواء المرَّ لا يكاد يسيغه؛ أملاً في حلاوة العافية ولو بعد حين . صبرت ومن يصبر يجد غبِّ صبره *** ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم

369 ومن عوامل بناء النفس: المداومة على العمل وإن قل؛ لأن المداومة على الأعمال الصالحة والاستمرار عليها تثبيت وترويض للنفس البشرية لمواجهة أعباء الطريق وتكاليفه، وصرفٌ لمكايد الشيطان ونوازعه، ولذا لمَّا سئل رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: أي الأعمال أحب إلي الله؟ قال: "أدومها وإن قل " كما روي [البخاري]، ويقول صلى الله عليه وسلم " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد " فإذا عود المرء نفسه على الفضائل انقادت له –ولاشك-، وإذا تهاون فأقدم مرة وأحجم مرة كان إلى النكوص أقرب، والشيطان إذا رآك مداومًا على طاعة لله –عز وجل- فبغاك وبغاك؛ فإن رآك مداومًا مَلَّكَ ورفضك، وإن رآك مرة هكذا ومرة هكذا طمع فيك؛ فداوم على الطاعات؛ فإن الله من فضله وكرمه أنه إذا جاء ما يصرفك عن أداء الطاعات من عجز ومرض وفتنة؛ فإن الأجر يجزيه الله -تعالى- لك كما كنت صحيحًا كما أخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في البخاري " إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا " فضلا من الله ونعمة فله الحمد

370 من عوامل بناء النفس مجالسة من رؤيتهم تذكر بالله -عز وجل-؛ فمجالستهم تريك ما في نفسك من قصور وضعف وعيوب؛ فتصلحها وتهذبها؛ فهم زينة الرخاء وعدة البلاء يذكرونك إن نسيت، ويرشدونك إن جهلت، يأخذون بيدك إن ضعفت، مرآة لك ولأعمالك، إن افتقرت أغنوك، وإن دعوا الله لن ينسوك "هم القوم لا يشقى بهم جليسهم" من جالسهم وأحبهم أذاقه الله حلاوة الإيمان التي فقدها الكثير، وأحلوا بدلاً منها حبَّ المصلحة التي تنتهي بنهاية المصلحة، إذا رأيت هؤلاء خشع قلبك، واطمأن وسكن ووصل إلى ما يصل إليه سلفنا -أحيانًا- يوم يجد أحدهم حبيبه في الله؛ فيتهلل وجهه بشرًا وفرحًا، ويفيض دمعه حينما يرى أحد جلاَّسه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فإذا ظفرت -أخي- بمجالسة مثل هؤلاء؛ فأحبهم وأخبرهم أنك تحبهم واطلب الدعاء منهم في حال الفراق في ظهر الغيب، وأطلق وجهك عند لقائهم، وابدأهم بالسلام، ونادهم بأحب الأسماء والكُنَي لديهم، وأفسح لهم في المجلس، وزرهم بين آونة وأخري؛ فالثمرة اليانعة لمجالسة من يذكرونك بالله يقصر العبد عن إحصائها، ويكفي أنها تجعلك تذوق حلاوة الإيمان، وتدخلك في السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ومنها طلب الوصية من الصالحين يوم يُقيِّض الله للمرء رجلا صالحًا يعظه، يثبته الله وينفعه بتلك الكلمات، فتنبني نفسه، وتُسدَّد خطاه يوم يتعرض لفتنة أو بلاء من ربه ليمحصه به.

371 هاهو [الإمام أحمد] يساق إلى [المأمون] مقيدًا بالأغلال، وقد توعده وعيدًا شديدًا قبل أن يصل إليه حتى قال خادمه: يعز عليَّ يا أبا عبد الله أن المأمون قد سلَّ سيفًا لم يسله قبل ذلك، وأنه أقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئن لم تجبه ليقتلنك بذلك السيف، وهنا يأتي الصالحون، أهل البصيرة لينتهزوا الفرصة ليلقوا بالوصايا التي تثبت في المواقف الحرجة ففي السير: أن [أبا جعفر الأنباري] قال: لما حُمل الإمام أحمد إلى المأمون أخبرت، فعبرت الفرات، وجئته، فسلمت عليه، وقلت: يا إمام أنت اليوم رأس، والناس يقتدون بك؛ فوالله لئن أجبت إلى خلق القرآن ليجيبنَّ خلق كثير، وإن لم تجب ليمتنعن خلق كثير، ومع هذا فإن الرجل إن لم يقتلك فإنك تموت، لابد من الموت فاتق الله ولا تجبه، والإمام أحمد في سياق رحلته إلى [المأمون]

372 يقول: وصلنا إلى رحبة، ورحلنا منها في جوف الليل، قال: فعرض لنا رجل، فقال: أيكم أحمد ابن حنبل؟ فقيل: هذا، فقال: يا هذا ما عليك أن تقتل هاهنا وتدخل الجنة، ثم قال: أستودعك الله، ومضى. وأعرابي يعترضه، ويقول: يا هذا إنك وافد الناس فلا تكن شؤمًا عليهم، إنك رأس الناس فإياك أن تجيبهم إلى ما يدعونك إليه؛ فيجيبوا فتحمل أوزارهم يوم القيامة إن كنت تحب الله فاصبر؛ فوالله ما بينك وبين الجنة إلاّ أن تقتل، ويقول الإمام أحمد: ما سمعت كلمة مذ وقعت في هذا الأمر أقوى من كلمة أعرابي كلمني بها ، قال : يا أحمد إن يقتلك الحق مت شهيدًا، وإن عشت عشت حميداً فقوَّى بها قلبي. فإن أردت بناء نفسك فاحرص على طلب الوصية من الصالحين، اعقلها إذا تُلِيَت عليك، اطلبها قبل سفرٍ إذا خشيت مما يقع فيه، اطلبها أثناء ابتلاء، أو قبل حدوث محنة متوقعة، اطلبها إذا عُيِّنت في منصب صغر أو كبر، أو ورثت مالاً وصرت ذا غنى، اطلبها في الشدة والرخاء والعسر واليسر لتنبني نفسك، وينبني بها غيرك، والله ولي المؤمنين.

373 ومنها الخلوة للتفرغ للعبادة، والتفكر في ملكوت الله والاستئناس بمناجاة الله عن مناجاة الخلق في قيام ليل والناس نيام، في صلاة في بيتٍ عدا المكتوبة، في ذكر الله، في خلوة، عامل مهم في بناء النفس؛ فإن في ذلك صفاء للذهن وسلامة من آفات الرياء والتصنع للناس والمداهنة وفيه بعد عما يتعرض له الإنسان غالبًا بالمخالطة من غيبة ونميمة ولهو وضياع وقت ومداهنة، ولعل المرء في خلوة يذكر الله فتفيض عيناه من خشية الله؛ فيكون من السبعة الذي يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، ومع هذا فإن مخالطة الناس والصبر على أذاهم خير -كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- ولكن اخلُ وخالط، وكلٌ له وقته.

374 ومنها الدعاء فهو أهم عامل في بناء النفس؛ إذ هو العبادة –كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم- ففيه الذل والخشوع والانكسار بين يديْ رب الأرباب ومسبب الأسباب، هو الذي يجعل من الداعي رجلاً يمشي مرفوع الهامة والقامة، لا يخضع لأحد دون الله –الذي لا إله إلا هو- وهو من صفات عباد الله المتقين الذين يعلمون أن القلوب بين إصبعيْن من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء؛ فكان لسان الحال والمقال: "يا مقلب القلوب ثبِّت قلبي على دينك" هلاَّ تحسسنا وتلمسنا مواطن وأسباب إجابة الدعاء؛ لعلنا نحظى بنفحة ربانية تكون بها سعادة الدنيا والآخرة، في ثلث ليل آخر، والناس هاجعون، والناس نائمون. فقد روى الثقات عن خير الملا *** بأنه عز وجل وعلا في ثلث الليل الأخير ينزل *** يقول هل من تائب فيُقبِل هل من مسيء طالب للمغفرة * يجد كريمًا قابلاً للمعذرة يَمُنُّ بالخيرات والفضائل *ويستر العيب ويعطي السائل.

375 ومن عوامل بناء النفس: تدبر كتاب الله -جل وعلا- والوقوف عند أسمائه الحسنى وصفاته العلا (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا) كلنا يقرأ القرآن، وكثير منا يحفظ القرآن؛ لكن هل من متدبر ربط حياته بالقرآن؛ أقبل عليه تلاوة وتفسيرًا وعلمًا وعملاً وتدبرًا، منه ينطلق، وإليه يفيء؟ أولئك البانون أنفسهم، أولئك الثابتون إذا ادلهمَّت الخُطُوب، أولئك المسدَّدون المهديون إذا أطلت الفتن برأسها؛ فأصبح الحليم حيرانًا، وإن وقفة واحدة مع أسماء الله الحسنى وصفاته العلا الواردة في كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- لتبني النفس بناءً لا يتزلزل ولا يحيد، إنه السميع البصير ليس كمثله شيء، إنه العليم الخبير ليس كمثله شيء، لو تفاعل المؤمن مع اسم الله السميع العليم، فربَّى نفسه عليها، فعلم أن الله يسمعه في أي كلمة ينطقها، في أي مكان يقولها وحده، مثنى، أمام الناس، عند من يثق به، عند من لا يثق به؛ فالله يسمعه سمعًا يليق بجلاله؛ بل إنه ليسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء؛ إذن لَصَلُح الحال. هو الذي يرى دبيب الذَّر* في الظلمات فوق صمِّ الصَّخر وسامع للجهر والإخفات *** بسمعه الواسع للأصوات وعلمه بما بدا وما خفي *** أحاط علمًا بالجلي والخفي

376 أخيرًا: أسئ الظن بنفسك يا عبد الله؛ لأن حسن الظن بالنفس يمنع عن كمال الإصلاح ويرى المساوئ محاسن والعيوب كمالاً، ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عارضها، ومن أحسن ظنه بنفسه هو في أجهل الناس بنفسه، وكم من نفس مستدرجة بالنعم، وهي لا تشعر مفتونة بثناء الجُهَّال عليها، مغرورة بقضاء الله حوائجها وستره عليها. ألا فابنوا على التقوى قواعدكم *** فما يُبْنَى على غير التقى متداعٍ

377 اللَّهم أنت خلقت أنفسنا وأنت تتوفاها؛ فزكِّها أنت خير من زكَّاها، فزكِّها أنت خير من زكاها، فزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، لك مماتها ومحياها، إن أحييتها فاحفظها بما تحفظ به أنفس الصالحين، وإن أمَتَّها فاغفر لها وارحمها وأنت خير الراحمين، اللهم أتمم لنا العافية في الآخرة والدنيا والدين، اللهم أتمم لنا العافية في الآخرة والدنيا والدين، أنت ولينا توفَّنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.


Laste ned ppt "محاضرات في الإرشاد النفسي الديني"

Liknende presentasjoner


Annonser fra Google